بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ / الانتفاضة الوطنية ضد الحرامية فتحت نقاشاً غير مسبوق في حزب الله - بقلم حسن صبرا

من هنا نبدأ

الانتفاضة الوطنية ضد الحرامية فتحت نقاشاً غير مسبوق

 في حزب الله

بقلم حسن صبرا / مجلة الشراع 6 كانون الأول 2019 العدد 1928

 

يعيش حزب الله حالة غير مسبوقة في السياسة في لبنان، منذ انطلاق الانتفاضة الوطنية ضد الحرامية، وهي ربما أكثر إقلاقاً من سنوات القتال ضد العدو الصهيوني التي انتهت بتحرير الأراضي التي كان هذا العدو يحتلها لمدة 22 سنة.

وليس أوضح من الدلالة على هذا القلق من مسارعة أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله للاطلالة على الناس بعد 48 ساعة من الانتفاضة وكان أسرع الناس في تفهمها.. أكثر المعنيين في تلقي مسارها وفهم أبعادها..

فهو عدا كونه يقود حالة غير مسبوقة في لبنان على المستوى الشعبي والسياسي، وعدا كونه الأكثر تضحية في تاريخ لبنان بالدم والمال والمجهود، فهو أيضاً يحمل أعباء على كتفيه ربما اكتشف بعد ان تلقاها او هو صنعها او فرضت عليه انها الأصعب بما لا يقاس من مواجهته اسرائيل.

فهو كفيل الجمهورية اللبنانية الأول، موصوف بنظافة الكف وشظف العيش، مقدماً بكره الشاب تثبيتاً لمساواة مقاتليه وإبائهم بالتضحية بأغلى ما يملك..

لكن من يحميهم في حكم لبنان هم أفسد الفاسدين، مجهضين بعهرهم أنبل ما أنجزته تضحيات مقاتلي الحزب ليكون وطنهم سيداً حراً مستقلاً.. لكن الفاسدين أسقطوه في مستنقع عفن بفجورهم وسرقاتهم.

لذا انطلقت الانتفاضة الوطنية ضد الحرامية في 17- 10- 2019 بعد ان سرب خبر استعداد ميشال عون للتنحي عن رئاسة الجمهورية لمصلحة صهره الصغير، ليكمل هذا فترة السنوات الثلاث المتبقية في الرئاسة لعمه..

كان واضحاً منذ البداية ان السيد نصرالله مع هذه الانتفاضة، وكان البعض في الشارع يناشده التجاوب معها، أطل السيد في ذكرى أربعين الامام الحسين ليقول للناس انه معهم وان حركتهم عفوية وصادقة، ولا صلة لأي سفارة بها، وليس فيها شبهة مؤامرة، وأقلق موقف نصرالله حلفاءه، خصوصاً وان الانتفاضة خرجت تطالب بالاصلاح ووقف السرقات واسترجاع الأموال المنهوبة وهي نفسها مطالب السيد نصرالله المعلنة امام الجميع.

ازداد زخم الانتفاضة وباتت شاملة كل لبنان.. وما أثر على الحراك الشعبي جهابذة المقاييس في عدد الحضور في كل مكان وهم يتجاهلون جهلاً او عمى ان المطالب هي الجوهر وليس عدد الحضور لأن الجوع ايها العميان شامل كل لبنان كما هو عهر السرقات شامل كل السلطات.

أصبحت انتفاضة الشباب ضد الحرامية بنداً ثابتاً في نقاشات اجتماعات حزب الله على أعلى المستويات ومع ان هناك اجماعاً على تبني مواقف السيد نصرالله في اطلالته الأولى، الا ان حذراً شديداً سيطر على كل هذه الاجتماعات الحزبية الداخلية وعلى أعلى المستويات من تسلل القوى المضادة خلف هذه الانتفاضة.

كانت التساؤلات في داخل حزب الله ومع تبني موقف الأمين العام تدور حول ما يلي:

1-هل نخسر حلفاءنا الأساسيين عن اليمين وعن الشمال اذا أيدنا الانتفاضة التي قامت أساساً ضدهم.. أليس هناك من طريقة لتأييد مطالب الناس من دون خسارة الحلفاء؟

2-اذا استجبنا لمطالب الانتفاضة الآن.. ما هي الخطوة الثانية بعد الاستجابة؟ ألا يمكن ان تزداد مطالب الناس بما لا قدرة لنا على تحمله.

3-من الذي سيدخل خلف الانتفاضة التي لا تنادي الآن بمطالب تستفزنا وتخيفنا مثل نزع سلاح حزب الله والانسحاب من سورية ليجعل هذه المطالب السياسية هي عناوين التحرك الشعبي المنتصر اذا استجبنا لمطالبه بوقف السرقات واسترداد الأموال المنهوبة ومحاسبة اللصوص.

4-تحدث الأمين العام في ذكرى اربعين الامام الحسين للبنانيين وكانت ثورة العراق الشعبية ضد الفاسدين في هدنة الأربعين.. وكانت قبل ذلك عارمة قابلتها سلطات الحشد العراقي بالارعاب والعنف وأسقطت نحو 400 مظلوم شيعي.

ثم وبعد انقضاء الذكرى عادت الى أوج الاشتعال من جديد، وأثمرت اسقاط حكومة عادل عبدالمهدي (تذكروا أول انجازات انتفاضة لبنان بإسقاط حكومة سعد الحريري.. وما توقفت).

خسرت ايران جولة في العراق.. فهل تسمح بخسارة أخرى في لبنان؟

خصومنا ثابتون ضدنا.. وخرج سعد الحريري من دون ارادتنا.. فهل نتخلى عن أصدقائنا حتى لو كانوا من الفاسدين؟

5-علينا ان نتابع ما يتسرب عن حوار اميركي – ايراني بالواسطة لنرى ماذا يريد الاميركان من ايران؟ ماذا سيقدمون، ماذا ستعطي ايران؟ أين؟

الأمر الأهم

ان جمهورنا الكبير هو جزء من هذا المجتمع الذي يسرقه الفاسدون، وفي ظروفنا الحالية نحن نسمع الشكاوى في كل مؤسساتنا.. من ناسنا، من منظمينا، من أهلنا.. واذا كان أهلنا الصابرون يتفهمون ظروفنا وهم يعرفون علاقاتنا مع من يسرقهم ولا يتكلمون فمن يضمن استمرار صمتهم الذي يدعمنا الآن كما دعمنا صمودهم معنا خلال مقاومة اسرائيل؟

هذا النقاش النادر في حزب الله يكشف حيوية سياسية داخلية لم يتم لها الظهور سابقاً في مرحلتي المقاومة ضد اسرائيل والبحبوحة الاجتماعية مع أهلنا، لتصبح بحبوحة سياسية غير معتادة، انما ما كان لها ان تظهر لولا الانتفاضة الوطنية ضد الحرامية، وظهر فيها حزب الله كبالع الموسى.. فهو مع الناس وضد الفاسدين، وهو لا يستطيع اغضاب اللصوص او إرغامهم على وقف السرقات واسترداد المنهوب، وهو في الوقت نفسه لن يترك ظهره عارياً اذا ما واجهته اسرائيل واميركا ومن تقاطع مصالحه من اللبنانيين معهما.. والفاسدون يعملون هذا ويتمادون كمن يدفع الموسى داخل انبوب التنفس.

طبعاً سيكون تشكيل الحكومة سريعاً نجدة لحزب الله وسيكون برنامجاً اصلاحياً حقيقياً وحكماً شفافاً نزيهاً قادراً، مخرجاً لحزب الله، وسيكون استعداد الانتفاضة لتلقي أي انجاز تقدمه الحكومة العتيدة (مع شك كبير في الاستعداد والانجاز)، حماية لحزب الله.. من أي غدر او سرقة للانتفاضة.. ولا يتوقف النقاش.

حسن صبرا

الوسوم