بيروت | Clouds 28.7 c

الحراك في العراق والحراك في لبنان واختلاف التعامل معهما / بقلم: السيد صادق الموسوي

الحراك في العراق والحراك في لبنان واختلاف التعامل معهما

بقلم: السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 15 تشرين الثاني 2019 العدد 1925

 

بدأت التظاهرات في العراق ولبنان في فترة متزامنة تقريباً وبشعارات متشابهة وهي مواجهة الفساد والفاسدين المتربعين على عرش السلطة في أرض الرافدين، والمتوارثين المناصب والزعامات من طبقة الفاسدين في بلد الأرز، واستقطب شعار مجابهة الفساد في البلدين الطبقة المستضعفة من الشعب والتي تبحث عن قوت يومها بشقّ الأنفس ولا تكاد تحصل على اللقمة الواحدة للعيال إلاّ مجبولة بالدم أو بعد جهد جهيد، وسار عشرات الألوف في الشوارع هاتفين وتجمعموا في الساحات معتصمين، وتحدوا تارة الرصاص الحي من بنادق الجنود بالصدور العارية، ومرة تلقوا الضرب المبرّح من هراوات أزلام السلطة والذين تمّ إيهامهم بأن المطالبة بالحقوق الأولية للإنسان مؤامرة استكبارية، وأن تكاتف أطياف الشعب حول شعارات نابعة من وجع الناس والصرخات المنبعثة من البطون الخاوية تقف وراءها السفارات الأجنبية، وعليه فلا بد من الرضا بنهب الفاسدين للحقوق، والسكوت على الظلم اللاحق بالفقراء، بل محاربة الذين لا يجدون قوت يومهم دفاعاً عن حيتان المال وأصحاب المليارات المودعة في المصارف الأجنبية.

إن وقوف زبانية الزعماء والمستفيدين من فتات موائدهم والراضين بالعبودية باسم الولاء والمسلّمين من دون تفكير للرؤساء كيفما ساروا واتجهوا، هو أمر مكرر في التاريخ القديم وإن الله سبحانه يذكر في القرآن الكريم حالات من أساليب تدجين الشعوب عبر الإستخفاف بهم كما فعل فرعون: ((فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين))، وأيضاً التبريرات التافهة للطغاة في سبيل إعطاء الشرعية لسلطتهم حيث يذكر ذلك الله تعالى عن لسان فرعون: ((ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون))، وجعل الطاغية فرعون هذا من تبريره ذلك مقدمة لادعاء الألوهية حيث يقول: ((وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري))، وذلك بعد رضوخ الناس لمنطقه وتسليمهم لأمره وقبولهم بسلطته، وينتهي الأمر إلى الإستهزاء ((المتفرعن)) بحقيقة خالق الكون: ((وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى)).

لكن هذا الواقع في الدنيا المكرر مرات في تاريخ الأمم والشعوب ينقلب إلى ندم كبير في يوم الدين وإلى تقاذف للإتهامات بين الطغاة والأتباع يوم تُبلى السرائر، حيث يورد الله سبحانه حالتين من إبداء الندم إحداها في المحشر: ((وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناًَ كبيرا))، ومرة أخرى بعد دخولهم النار: ((حتى إذا ادّاركوا فِيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون)).

واللافت في الآية التي تذكر وسيلة تركيع فرعون لأهل مصر عبر الإسخفاف بهم أن الله يلقي اللوم على الراضين بالخنوع بقوله ((إنهم كانوا قوماً فاسقين))، وهذه ((الطاعة الفسق)) لم تكن فسقاً فردياً كشرب الخمر مثلاً بل هو فسق جماعي لا يؤثر على مصير الأمة الخانعة وحدها بل يجرّ الويلات على الأجيال المقبلة أيضاً، إذ يفلسف لوجوب العبودية للطاغية ويحرّم التمرد على أوامره مستنداً لسنّة الآباء أحياناً ومستفيداً من نصوص وحي السماء أحياناً، فيصبح المظلومون مدافعين عن الظالمين والمقهورون حماة للطاغين، والفقراء سنداً للناهبين، والشرفاء مصفقين للفاسدين.

إن التعامل مع الحراك الشعبي في العراق من قبل المرجعية الدينية ومن جانب السيد السيستاني تحديداً جاء متضامناً مع المطالبات العادلة للطبقات العراقية المسحوقة عبر إصداره بيانات متعددة، بل قامت العتبتان الحسينية والعباسية بتأمين الطعام للمتظاهرين في مدينة كربلاء المقدسة ثم دعت بعد ذلك جميع منتسبيها للمشاركة في تظاهرة على رأسها ممثلا المرجعية السيد احمد الصافي والشيخ عبد المهدي الكربلائي استجابة لموقف المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد السيستاني.

إن موقف السيد السيستاني منسجم كلياً مع منهج الأئمة الطاهرين إذ يتعامل مع مختلف الوجوه في السلطة على قدر خدمتهم للشعب ولا يداهن الفاسدين ولو كان أحدهم حتى الأمس القريب مؤيَّداً من قبله أو مقبولاً من جانبه، ومسيرة الإمام الخميني في الجمهورية الإسلامية في إيران كان أيضاً على الدوام الوقوف إلى جانب المستضعفين، ولا يتردد لحظة في رفض دعم أحد أو مساندة شخص متورط في فساد أو حماية جماعة تحوم حولها شبهة هضم حقوق الفقراء، وهذه السيرة هي المطابقة لسلوك أئمتنا عليهم السلام أجمعين، حيث كانوا يطردون من أبوابهم أقرب الناس إليهم إذا صدر منه تصرف فيه أدنى مداهنة للحكام الجائرين، ويقطعون ارتباطهم بمن يدّعي اتّباعهم بمجرد بروز عمل منه يقوّي سلطان الظالمين، ولا يقبلون بأن يبيع أحد من شيعتهم حتى إبرة وخيطاً يخيط بها ولاة الجور ثيابهم، أو يؤجرهم جمالاً يذهبون بها إلى حج بيت الله الحرام.

أما التعامل في لبنان فإنه كان يجب أن يكون مطابقاً لسلوك السيد السيستاني في العراق وتصدّر المخلصين صفوف المتظاهرين مؤيدين لمطالب المحتشدين الجائعين، ومتبرّئين من الشلة الفاسدين وغاصبي حقوق الفقراء والمعدمين، وعندئذ ينسجم عمل شيعة أهل البيت عليهم السلام مع ما ورد إلينا من سيرة الأئمة الطاهرين، وهذا العمل لا يدَع مجالاً للمنافقين ويُخرج من الساحة عملاء الأجانب ويطرد المرتبطين بالسفارات، لكن الخروج من صفوف المطالبين بحقوقهم الأساسية وإخراج الشباب المخلصين من بين المتظاهرين يُخلي الساحة لكل قريب وبعيد وعدو وصديق ومنافق وكافر ومجرم وفاسد ليصول ويجول دون أي مانع أو رادع، ويعطي هذا السلوك المخالف لسيرة الأئمة والأولياء الصالحين أيضاً الذريعة لأعداء أهل البيت ليكونوا شامتين.

إن تصحيح الخطأ المبين والعودة لتصدر مسيرة مواجهة الفساد، والبراءة من الفاسدين والتكامل مع خطوة المرجعية الدينية في العراق يجعل صورة الشيعة في العراق ولبنان، خصوصاً وعلى الصعيد العالمي نقية ناصعة تجذب قلوب أتباع باقي مذاهب المسلمين، كما جعل نهج الإمام الخميني قبل ذلك التشيع مبعث فخر واعتزاز لعموم المسلمين في كل بقاع الأرض وأمام شعوب العالمين، وزلزلت مواقفه النابعة من صميم تعاليم الدين الحنيف عروش طواغيت الأرض وأعادت صرخاته المدوية الأمل إلى الشعوب المستضعفة في كافة أنحاء المعمورة، وأسس للثائرين حيث كانوا مدرسة في الثورة تعتمد على نهج خاتم النبيين وسيرة أهل بيته الميامين.

السيد صادق الموسوي

الوسوم