بيروت | Clouds 28.7 c

محمد حسين فضل الله سيد حمّال الأوجه/ كتب حسن صبرا

محمد حسين فضل الله سيد حمّال الأوجه/ كتب حسن صبرا

لم يحظ رجل دين مسلم بإهتمام اعلامي وسياسي وأمني وشعبي كما حظي آية الله الخميني في ايران والسيد محمد حسين فضل الله في لبنان.

الرجلان شيعيان نعم، وقد سبقهما الى الشهرة والاهتمام المفسر الأزهري الشيخ محمد متولي شعراوي قبل ان ينـزوي بتسلمه وزارة الأوقاف المصرية ليصبح جزءاً من منظومة حكم أنور السادات ينظّر له ويهاجم منتقديه وهو يقول في مجلس الشعب المصري ان السادات لا يُسأل عما يفعل (رب غفرانك).

والثاني هو يوسف القرضاوي الذي يعتبر منظّر جماعة الاخوان المسلمين، وهو الذي أفتى بقتل مدنيين، تحت زعم انهم أعداء الاسلام، وقد حصر نفسه في جماعة حزبية لا هم لها سوى الحصول على سلطة حتى لو كانت في غزة.

الخميني قائد ثورة غيرت مجرى التاريخ في بلده وربما في المنطقة.. فضل الله كان رجل دين معجوناً بالسياسة والثقافة والشعر.

وما يربط بين الرجلين، ان الخميني وضع في الدستور الايراني مادة ملزمة بأن تنصر ثورة ايران المستضعفين في كل مكان، ونفذ ذلك وما زالت مؤسساته الحاكمة بعد رحيله ملتزمة تنفيذ هذه المادة.. وان فضل الله استجاب بشكل مباشر لهذه المادة، فأوعز بحل حزب الدعوة الذي كان هو مرجعه في لبنان فيما أطلق عليه هو اسم الحالة الاسلامية وكان عمادها حزب الله، فإنطوت كل التنظيمات او المنظمات او الحركات التي كانت ترفع راية الاسلام والتشيع في هذه الحالة الجهادية او الحركية فصار تعبير الاسلام الحركي من الشعارات التي رفعها فضل الله طيلة سنوات، وكادت مواقفه هذه تكلفه حياته في محاولة اغتيال بتفجير سيارة في بئر العبد كانت تنتظر مروره عشية يوم أسود.

كان الاعلام الغربي يرى في فضل الله خميني لبنان، وراح بعضه يطلق عليه صفة مرشد حزب الله على غرار الخميني مرشد ايران، وفيما كان الامام الايراني نادر الأحاديث بعد ان استقرت الأمور لثورته وقد أسس عبرها الجمهورية الاسلامية في ايران، فإن السيد العربي كان مدراراً في أحاديثه السياسية شبه اليومية معلقاً على كل شأن من شؤون الحياة في لبنان في السياسة محلياً وعربياً ودولياً، وفي مسألة الاستنساخ وزواج المثليين والقرار الدولي 425 وقد وصف مؤيديه في احد تصريحاته بأنهم أشبه بالأكثرية اليزيدية التي قتلت الامام الحسين.

السيد محمد حسين فضل الله في السياسة، زعيم من دون حزب، ومن دون تيار شعبي، ومن دون مشروع، أيده كثيرون، وعارضه مثلهم، كان حديث الناس مع وضد بعد كل تصريح او موقف، لكنه في المسائل الفقهية لم يبتعد عن حالته السياسية.

كان كثيرون يقرأون في فتاويه أنها حمالة أوجه، ومثلما كان جريئاً في الكثير منها، فإنه كان يطلق فتاوى يعرف أنها تثير لغطاً.. ثم يضمنها او يختمها بما يجعلها ترضي كل الأذواق.. وكان كثيرون يرون انه يحرك بفتاويه المثيرة للجدل مياه مستنقع فاحت روائحه لطول المدة بين مراحل التاريخ.

كان السيد فضل الله جريئاً جداً، وهو يعلن ان واقعة إجهاض السيدة فاطمة من قبل الخليفة عمر بن الخطاب والتي يعتمدها عموم الشيعة، مراجع وأفراداً، ليست واقعة.

كان السيد فضل الله يحرم شتم الصحابة والسيدة عائشة، ويحرم التطبير في يوم عاشوراء.. وكان يتحمل الاهانات يسمعها من متطاولين ويضحك ساخراً من فضائح تكفيره البشعة.. وقد ررد مرة أمامنا انني لن أكون افضل من السيد محسن الأمين الذي تطاول عليه من رفض دعوته لرفض التطبير.. ملتزماً موقفه من دون أي تراجع.

كان السيد فضل الله أبرع رجل دين سياسي لبناني وعربي ومسلم يطل على الاعلام وفق ما يريده هو، وأثيرت في هذه الاطلالات وبسببها تساؤلات حول فهمه لدور الاعلام في الترويج لفكرة او موقف او سياسة، وقيل حول عشقه للاعلام..

قيل انه يستخدم الاعلام والاعلاميين من أجل موقف وسياسة ونرجسية شخصية.. وقيل بل ان الاعلام والاعلاميين يستدرجونه لمواقف يجد نفسه ملزماً بالرد عليها.. لكأن سلوك السيد فضل الله في السياسة، وفي الاعلام وفي الفقه كله حمّال أوجه.

لكن الذي لا مجال لأن يكون حب واحترام وتقدير السيد محمد حسين فضل الله عند المسلمين السنة في لبنان حمّال أوجه هو هذا الاجماع عندهم على مكانته واعتداله والتذكير بمواقفه عند كل منعطف داخلي، او استحقاق مذهبي او اسلامي، عند بدء اعلان شهر الصوم ثم بداية شهر شوال (العيد) حيث يسجل له كل المسلمين انه السباق الى اعتماد علم الفلك لتجاوز مسألة الخلاف السياسية والعصبية وكثير من النكايات بين المسلمين سنة وشيعة، او بين الشيعة أنفسهم.. حول ظهور القمر اعتماداً على شهود عدول.

الاعتماد على الفلك قرار متخذ من منظمة المؤتمر الاسلامي في مكة.. لكن أحداً بمن فيهم المملكة العربية السعودية والأزهر لا يلتزم به بل ما زالوا يرون ان الأعين البشرية حتى لو كانت عوراء هي أهم من المراصد التي تحدد ظهور القمر ربما بعد مائة عام وبدقة لا تحتمل الخطأ.. فضل الله اعتمده بجرأة وما زالت مؤسسته بعده على المسار نفسه.. وما أخطأت في أي تحديد لبدء رمضان ونهايته..

محمد حسين فضل الله أنشأ مؤسسات اعتماداً على رجال خير في لبنان وبلاد عربية واسلامية.. ونجحت وانطلقت وما زالت ثابتة وان كانت بحاجة الى اصلاح مستمر وشفافية ونزاهة كانت موجودة في حضوره وحياته، وصارت محل شبهة في عهد وريثه علي.. عجزاً او ضعفاً او خجلاً او تورطاً.

الأهم في مسيرة السيد فضل الله، هو انه أعاد الاعتبار لمؤسسة الوحدة الاسلامية في لبنان، ولمؤسسة الوحدة الوطنية اللتين تعرضتا وتتعرضان لمحاولات هدم وحفر أساسات، ونبش قبور وافتعال تناقضات او تعميق ما هو قائم، وله في مداميك هاتين المؤسستين في مرحلة إعادة بنائهما حجارة.. راسخة.. بعضها تعب في حمله وتعرض لمضايقات ومحاولات تشويه لكنه صمد وما غيّر وما بدّل من مواقفه من أجل المحافظة عليهما.

وبعد.

كل الأمل ان يخرج بعد السيد  فضل الله من تلامذته وحوارييه من يكمل طريقه ومنهم أكفاء لُمّع  برزوا أخيراً بروزاً سريعاً وكل منهم في مكان وفي مؤسسة، وكل منهم واعد، واذا كان للسيد دور في تهيئته فإن ملكات وكفاءات كل واحد منهم هي التي ستجعله صرحاً جديداً في هذا الوطن لخدمة الاخلاق التي هي دين قائم بذاته ولا مكانة لدين ان انعدمت الاخلاق.

 

حسن صبرا

 

 

 

 

 

الوسوم