بيروت | Clouds 28.7 c

من دلائل عظمة النبي عليه الصلاة والسلام / بقلم الشيخ أسامة السيد

من دلائل عظمة النبي عليه الصلاة والسلام / بقلم الشيخ أسامة السيد

مجلة الشراع 25 تشرين أول 2019 العدد 1922

 

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى: ((ورفعنا لك ذكرك)) سورة الشرح.

إن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله وقد شرَّفه الله وعظَّمه وكرَّمه ومدحه في القرآن الكريم في غير موضعٍ، وجاءت في فضله صلى الله عليه وسلم نصوصٌ كثيرةٌ في الكتاب والسنة تشهد بعلوِّ شأنه وتقدُّمِه على سائر الخلق، ولو أردنا أن نسترسل في ذكر فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم لطال الكلام وكلَّت الأقلام، ومن يحصي عدد نجوم السماء أو من يُحصي عدد أزهار الأشجار وقطرات الأمطار؟ ومن أدلِّ ما يدلُّ على رفعة قدر هذا النبي العظيم صلوات الله وسلامه عليه هذه الآية التي حوت معاني واسعة في كلماتٍ قليلة، فقد رفع الله تعالى ذكره الشريف وأعلى مقامه فوق كل مقام، وماذا عساه يقول المادحون أو يُثني المثنون بعد ثناء الله عليه.

الفضل العظيم

وقد جاء في تفسيرها في ((البحر المحيط)) لأبي حيَّان الأندلسي: ((هو أن قَرَنه بذكره تعالى في كلمة الشهادة والأذان والإقامة والتشهد والخُطب وفي غير موضعٍ من القرآن وفي تسميته نبي الله ورسول الله وذكره في كُتب الأولين والأخذ (أخذ العهد) على الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا به)).  

فتأمل هذا التشريف البليغ لهذا الرسول الأجلّ فقد اقترنت شهادة أن محمدًا رسول الله بشهادة أن لا إله إلا الله يرددها المؤذن عند دعوة الناس إلى الصلوات المفروضة ومقيمُ الصلاة إيذانًا بقرب الشروع فيها، ويقولها المصلي أثناء تشهده لتصح صلاته، وكم يكررها الخطباء في الجمعة والمناسبات وفي مجالس المؤمنين الخاصة والعامة، والشهادتان سبيل الدخول في الإيمان والخلاص من الكفر فلا يكون مسلمًا من أراد الدخول في الإسلام واقتصر على التلفظ بالشهادة الأولى وترَكَ الشهادةَ الثانية.

 ومما رفع الله به ذِكْرَه أيضًا أنْ ذَكَرَه في القرآن الكريم بوصف النبوة والرسالة في غير موضع قال تعالى: ((محمدٌ رسول الله)) سورة الفتح، وقال أيضًا: ((قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا الذي له ملك السموات والأرض لآ إله إلا هو يُحي ويُميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي)) الآية سورة الأعراف، وفي آياتٍ أخرى كثيرة، ولم يُذكر النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن في موضعٍ إلا مقرونًا بوصف النبوة والرسالة لا بإسمه فقط. ووقع ذكره الشريف صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة المنزلة على بعض أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام فكانت شهرته سابقةً لمولده المبارك، روى الحاكم في المستدرك وغيره عن ميسرة قال: ((قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: متى كنت نبيًا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد)). والمعنى: كنتُ مشهورًا بوصف النبوة والرسالة بين الملائكة الكرام سكَّان السماء قبل أن يكتمل خلق آدم عليه السلام، وليس معنى هذا أنه أول خلق الله ولا أنه خُلق من نور كما شاع ذلك عند بعض الناس ولا أن جسده خُلق قبل جسد آدم عليه السلام بل هو بشرٌ من بني آدم، قال الحافظ ابن حجر:

قديمًا بدا قبل النبيين فضلُه                      فإن قُدِّموا بَعثًا ففي الفضل يسبق

 فكان ذكره صلى الله عليه وسلم معروفًا وبشَّر به الأنبياء المتقدِّمون قال الله تعالى: ((وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثم جآءكم رسولٌ مصدقٌ لما معكم لتؤمنُنَّ به ولتنصُرُنَّه قال ءأقررتم وأخذتم على ذالكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين)) سورة آل عمران.  قال ابن جريرٍ في ((تفسيره)): ((هذا ميثاقٌ أخذه الله على النبيين أن يُصدِّق بعضُهم بعضًا وأن يُبلّغوا رسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم فيما بلَّغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ويصدِّقوه وينصروه)) والميثاق والإصر معناهما العهد.

من شواهد التاريخ

ومن شواهد شهرته قبل ولادته صلى الله عليه وسلم ما جاء في ((البداية والنهاية)) لابن كثيرٍ في ضمن قصةٍ طويلة ملخَّصُها أن أحد تَبَابعة اليمن القُدامى ((جمع تُبَّع وهو لقبٌ لكل من ملك اليمن قديمًا)) واسمه أسعد الحميري أراد هدم الكعبة وتجهَّز لذلك فالتقى بحَبْرَين ((تثنية حَبْرٍ وهو العالم الكبير)) مؤمنين أخبراه بمكانة البيت وبعض شأنه ومبعث نبي آخر الزمان في مكة، فوقع في قلبه تصديقهما ونصحهما فصرف رأيه عمَّا كان يريد، ثم قدِم الكعبة فطاف ونَحر وكسا البيت الوصائل ((ثياب يمانية حمرٌ مُخطَّطة)) وأنشد:

شهدت على أحمدٍ أنه                               رسولٌ من الله باري النسمْ

فلو مُدَّ عمري إلى عمره                              لكنت وزيرًا له وابن عمْ

وجاهدتُ بالسيف أعداءه                         وفرَّجتُ عن صدره كلَّ همْ

ومعنى ((باري النسم)) الله خالق النفوس، النسم جمع نَسَمَة وهي الروح.

قال ابن كثيرٍ: ((ولم يزل هذا الشعر تتوارثه الأنصار ويحفظونه بينهم وكان عند أبي أيوب الأنصاري)) ((أبو أيوب خالد بن زيد صحابي جليل هو أول من نزل النبي صلى الله عليه وسلم ضيفًا في بيته بعد الهجرة)).

وعن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تسبُّوا تُبعًا فإنه كان قد أسلم)) رواه الإمام أحمد.

وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب ((القُبور)): ((أن قبرًا حُفر بصنعاء فوُجد فيه امرأتان معهما لوحٌ من فضةٍ مكتوب بالذهب وفيه: هذا قبر لميس وحبى ابنتي تُبَّع ماتتا وهما تشهدان أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما)).

وحيث عُلم هذا فاثبت أيها المؤمن على توقير النبي صلى الله عليه وسلم واعلم أن حُرمته بعد موته كحرمته حيًّا ففي كتاب ((الشِفَا)) للقاضي عِياض أن الخليفة أبا جعفرٍ المنصور لقي الإمام مالكًا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا عبد الله أستقبلُ القِبلةَ وأدعو أم أستقبلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ((ولم تصرِفُ وجهك عنه وهو وسيلتُك ((أي تتقرَّب بتعظيمه إلى الله)) ووسيلةُ أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة بل استقبله واستشفع به فيُشفِّعه الله)).

والحمد لله أولاً وآخراً.

 

الوسوم