بيروت | Clouds 28.7 c

العرب بين أربع مناسبات / بقلم محمد خليفة

العرب بين أربع مناسبات / بقلم محمد خليفة

مجلة الشراع 4 تشرين أول 2019 العدد 1919

 

 

أربعة أحداث كبرى تمر ذكراها في هذه الأيام:

ذكرى انهيار الوحدة السورية - المصرية في 28 أيلول/سبتمبر 1961.

وفاة قائد التحرر العربي الحديث جمال عبدالناصر في 28 أيلول/سبتمبر 1970.

النصر العربي في حرب تشرين الأول/ اكتوبر ضد العدو الصهيوني عام 1973.

الغزو الروسي لسورية في 30 أيلول/ سبتمبر 2015.

المناسبات الأربع تختصر محن العرب المعاصرة بين الصعود والانكسار, ببعديها الداخلي والخارجي. فالأولى ما زالت بعد 58 عاماً تذكر العرب من محيطهم الى خليجهم بأن وحدتهم هي الطريق الوحيد للنهضة والتحرر الحقيقي. تجربة الوحدة عام 1958 - 1961 لم تكن مشروعاً خارج التاريخ بل في صميمه ولا مشروعاً أمبراطورياً, ولا مغامرة شخصية لزعيم أو شخص, بل كانت في لحظتها خياراً ورهاناً تاريخياً للغالبية الساحقة من الشعوب والجماهير العربية, وغاية عليا للنخب السياسية الحية. وكل ما حدث بعد ((انفصال 1961)) من هزائم وانتكاسات قاسية تؤكد أن النظام الدولي الامبريالي اتخذ منذ بداية القرن 19 قراراً جماعياً بمنع وحدة العرب, تدخل بقوة عام 1842 لفرضه على محمد علي, وعاد عام 1920 لفرضه ثم عاد ليفرضه عام 1961.  وما زالت الأحداث المتعاقبة تذكر وتؤكد للعرب أنه لا مستقبل لهم بدون هذه الوحدة ليدافعوا عن وجودهم وثرواتهم وحقوقهم المسلوبة, ويستعيدوا مكانتهم بين الأمم. ولعل تكالب دول العالم اليوم علينا, من اسرائيل الى ايران, ومن روسيا الى تركيا, وحتى أثيوبيا لتؤكد المؤكد التاريخي الثابت.

 إن الهزال الذي اعترى العرب نتيجة تمزقهم أغرى الجيران - الأعداء الذين كانوا يستجدون إحسان العرب وصدقاتهم حتى الأمس القريب, لا سيما بعد حرب تشرين الأول/ اكتوبر 1973 التي أظهرت قدرتهم على صنع المعجزات إذا اتحدوا.

أما ذكرى وفاة جمال عبدالناصر فهي مناسبة ليعيد العرب الاعتبار للبطل الذي جسد أعظم ما في العرب من تطلعات مشروعة للوحدة والتحرر والنهوض والحداثة واقتحام العصر بكل قيمه. عبدالناصر الذي اغتيل حياً وميتاً مراراً وتكراراً بأيدي أعداء الخارج وأعداء الداخل يستحق منا اليوم إحياء ذكراه كقائد أمة عظيم, وإعادة الاعتبار لتجربته الفذة في تحويل مصر خلال عشر سنوات فقط دولة حديثة تشارك في قيادة العالم وتساهم في تحرير افريقيا وآسيا والعالم الاسلامي, وتحرير العرب من الجزائر الى اليمن, ومن ليبيا والسودان الى الخليج والعراق. وتجربته في إحياء فكرة الوحدة القومية والجغرافية, ونجاحه الخارق في توحيد الشعوب العربية وراءها.

 إن إعادة الاعتبار لناصر لا يعني أن يعترف بعض العرب وبعض قوانا السياسية بخطاياها التي ساهمت في تدمير الأمة عندما ناصبته العداء الشخصي, وناصبت مشروعه القومي التحرري العداء نتيجة جهلها وقصورها فحسب, بل يعني تلقائيا أن يعود العرب الى مشروعه التحرري الذي جسده في تجربته القصيرة التي ما زالت أعظم صفحات تاريخ العرب الحديث والمعاصر.

وأما ذكرى نصر تشرين الأول/ اكتوبر 1973 فهي تجربة لا يجوز اليوم الحكم عليها من خلال مواقفنا من الحكام الذين كانوا على سدة السلطة في القاهرة أو دمشق او الرياض أو بغداد أو طرابلس أو الجزائر وأخطاء هؤلاء في الداخل, ومآلات أنظمتهم التي انحرفت للاستبداد والفساد. بل ينبغي النظر لنصر 1973 كملحمة قومية تاريخية حقيقية جسدت حصيلة نضالات العرب خلال ربع قرن من النضال التحرري أعقب غرس الكيان الصهيوني. ملحمة عبرت عن قوة العرب وطاقاتهم الهائلة, وما تحققه من معجزات إذا أُحسن توظيفها واستثمارها وتوحيدها في خطة استراتيجية يشارك فيها كل العرب شعوباً ودولاً, وتتوحد فيها أسلحتهم العسكرية والاقتصادية والسياسية بشكل منسق, فكانت النتيجة نصراً استراتيجياً هيأ العرب باعتراف كبار قادة ومفكري العالم ليكونوا إحدى القوى الست الكبرى على مسرح العالم.

أما الغزو الروسي لسورية عام 2015 فهو يعكس التحولات الكبرى في العالم بعد الحرب الباردة, فروسيا التي كانت قاطرة الاتحاد السوفياتي الذي كان بدوره حليفاً للعرب في معاركهم ونضالاتهم التحررية أصبحت قاطرة الدول والأنظمة الرجعية والشمولية في العالم وحليفة أعدائنا الاقليميين, وخصوصاً اسرائيل. فضلاً عن تفاهم روسيا وايران حول سورية دعماً لأبشع نظام أنجبته البشرية.

 ولا بد من القول إن الغزو الروسي بالتواطؤ مع ايران واسرائيل وأميركا يكشف مدى تقهقر مكانة العرب الدولية وانهيار قوتهم بعد أن تخلوا عن مشروعهم التحرري والوحدوي , ولا بد من الاعتراف بأن هذا المسلسل قد يكون في بدايته لا في نهايته, وربما يكون القادم أسوأ وأخطر.

 ولا حاجة للقول إن هذا المسلسل بدأ عام 1961 ثم في عام 1967 لا أمس أو قبل أمس.

ولذلك لا بد من مراجعة شاملة وجذرية لتجاربنا القومية واستخلاص دروس قرنين كاملين, وتحديد معالم جديدة لاستراتيجية نهوض وتحرر لا بديل عنها سوى الخروج من التاريخ والاندثار كأمة عريقة.

محمد خليفة

                          

الوسوم