بيروت | Clouds 28.7 c

هل تعيد الثورة للسودان جنوبه المنفصل؟ بقلم: محمد خليفة

هل تعيد الثورة للسودان جنوبه المنفصل؟ بقلم: محمد خليفة

مجلة الشراع 27 أيلول 2019 العدد 1918

 

*حرب البشير الدينية على الجنوبيين أجبرتهم على الإنفصال

الجنوبيون شاركوا في الثورة ودعموا السلام , و((الوحدة)) خيارهم  

الاميركيون دعموا الانفصال.. ويدعمون اليوم الإتجاه المعاكس!

بقلم: محمد خليفة

إحدى أهم النتائج التي ترتبت على انتصار الثورة في السودان وسقوط نظام الاخوان المسلمين, والتي ما زالت غير واضحة للرأي العام خارج السودان تتمثل في انفتاح الطريق لعودة جنوب السودان الى الوطن بعد ثماني سنوات من استقلاله.

يقول مصدر سوداني مطلع: إن احتمال عودة الوحدة بين الشمال والجنوب يتفوق على احتمال بقاء الانفصال, لأن التحول الكبير الذي تحقق فتح الطريق جدياً لعودة الوحدة بين الشطرين, بموافقة غالبية السكان فيهما.

ويدعم هذا التقدير أن الانفصال لم يكن مطلباً أو خياراً للجنوبيين, حتى أن مؤسس ((الحركة الشعبية)) التي قادت الصراع المسلح منذ 1983 ضد السلطة المركزية في الخرطوم العقيد جون قرنق كرد فعل على قوانين أيلول/ سبتمبر الاسلامية التي فرضها نظام النميري وحسن الترابي على الجنوبيين, ظل حتى مقتله الغامض في 30 تموز/ يوليو 2005 يرفض مبدأ الانفصال, ويتمسك بالوحدة وإقامة نظام ديموقراطي لا يميز بين سكانه العرب والأفارقة. إلا أن استيلاء الاسلاميين بقيادة البشير على السلطة عام 1989قلب المواقف في الشمال والجنوب, فسلطة الخرطوم احتكمت للسلاح لحل مشكلة مزمنة بدأت منذ بداية القرن العشرين. والأخطر أنها حولت المشكلة من صراع سياسي الى انقسام وصراع ديني, وشنت على الجنوبيين حرباً شاملة باعتبارها ((جهاداً اسلامياً على الكفار)) وشكلت ميليشيات خاصة لهذه المهمة, فأعطت الذريعة للانفصاليين للاستنجاد بالغرب للتدخل وحمايتهم, ودعم الانفصال, وخاصة في اميركا حيث ألقت منظمة ((راينبو)) التي يتزعمها القس والسياسي الديموقراطي ((المرشح الأسبق للرئاسة)) جيسي جاكسون بثقلها خلف الانفصال, ودعمه اللوبي اليهودي أيضاً بتنظيم زيارات لفنانين عالميين الى مناطق الصراعات في الجنوب وكردفان, للفت الانتباه لها, وكسب التأييد العالمي الواسع. فهل فتح قتل جون قرنق الطريق واسعاً للانفصاليين لتحقيق حلمهم في تموز/ يوليو 2011, بإقامة دولة جنوب السودان Republic of South Sudan.

فشل تجربة الانفصال

تجربة الانفصال لم تكن سعيدة ولا مشجعة بل فشلت على الأصعدة كافة, فالدولة الجديدة لم تجد لها إسماً مستقلاً فاحتفظت بالسودان في إسمها, والسكان الذين يطلق عليهم اسم الجنوبيين كانوا قد توحدوا ضد سلطة الخرطوم طوال سنوات القتال, ولكنهم بمجرد أن حصلوا على الاستقلال انقسموا عرقياً وقبلياً , وخصوصاً القبائل الأربع الكبرى الدينكا – الشلك- النوير - الزاندي فتجددت الحرب الأهلية بين الجنوبيين, بعد أن توقفت مع نظام الشمال. وانقلب نائب الرئيس رياك مشار على رئيس الجمهورية سالفا كير, منذ عام 2013 وانخرط الطرفان في حرب قبلية تحركها أطماع كل من الطرفين في الاستحواذ على السلطة والثروة. ورغم وفرة الثروات فإن غالبية سكان الجنوب تعيش للآن على المعونات الانسانية الأجنبية!

وفضل كثير من الجنوبيين العودة للشمال والعيش مع الشعب السوداني, نتيجة الأوضاع المعيشية والأمنية المتردية في الجنوب, لا سيما أن الشعب الجنوبي لا ثقافة خصوصاً قومية له, ولا هوية غير الهوية السودانية الواحدة, وكثير منهم ينطق العربية , ويعتنق الاسلام. وتبين مع الوقت أن ((دولة الجنوب)) لا تتوفر فيها بنية تحتية للدولة, وستظل بحاجة للاعتماد على الشمال, فتكررت المأساة التي سببها الاستعمار البريطاني في أربعينات القرن الماضي, حين عزل الجنوب عن الشمال تمهيدا لفرض الانفصال, ولما فشل اضطر للاعتراف بفشله, وأعاد ربط الجنوب بالسودان.

 وذكر المصدر أن المثال البريطاني السابق يتكرر اليوم مع الولايات المتحدة التي دعمت الانفصال قبل ربع قرن, وتدعم حالياً عودة الجنوب للشمال بصورة ما, لأنها تتحمل العبء الأكبر في تقديم المساعدات الانسانية لدولة الجنوب, وباتت تدرك أن الجنوب لا يمكنه أن يستمر منفصلاً, لعدم توفر بنية تحتية فيه.  

ويشير المصدر الى أن الجنوب استنسخ كل ما في الشمال من مكونات ومقومات للدولة والنظام. وكان بإمكانه أن يلجأ الى الدول المجاورة, كينيا واوغندا أو كونغو أو حتى أثيوبيا, بل ظل يربط نفسه بالسودان عن قناعة بأن الشعبين شعب واحد وأن ما يجمعهما لا يمكن فصمه أو فصله.

ويؤكد المصدر المطلع أن الثورة السودانية وإسقاط نظام البشير والاخوان قد أزالا العقبة الوحيدة التي تحول دون عودة الجنوب للسودان, كما يؤكد أن الجنوبيين تفاعلوا مع الثورة منذ يومها الأول كما تفاعل الشماليون, بلا أي فرق, وكأنها ثورتهم أيضاً. وخرجت عشرات التظاهرات في الجنوب ضد نظام الشمال ودعماً لاسقاط النظام, وفي الخارج , شارك الجنوبيون في جميع التظاهرات الاحتجاجية التي حدثت في أوروبا وأميركا, سواء بسواء, ولم يكونوا يميزون أنفسهم عن السودانيين الشماليين. وحتى قبل الثورة لم ينفصلوا عن الشماليين وظلوا مندمجين معهم في كافة نشاطاتهم وفعالياتهم في الداخل والخارج , وكثير منهم كان يعبر عن رفضه للانفصال عن وعي وتصميم.  

ويؤكد المصدر أن المجتمع المدني في الجنوب بدأ يتحرك بمجرد اسقاط البشير مطالباً بالعودة للسودان الموحد, لأن سقوط البشير يعني زوال السبب الذي دفعهم للانفصال. وهم يعيشون حالياً على إيقاع الشمال وما يحدث فيه . وحتى النظام في الجنوب يتصرف بالروحية  نفسها ويتحرك على الإيقاع نفسه. فالرئيس سيلفا كير دخل على خط التغييرات الجارية في الخرطوم منذ سقوط البشير, وساعد على الوصول لاتفاق بين السلطة الجديدة والفصائل المسلحة التي تقاتل في بؤر النزاع وعمل على دعم خيار السلام. وأصبحت جوبا مركزاً رئيسياً للمباحثات بين ممثلي الفصائل المتمردة وقادة الجيش النظامي, نظراً لثقة الطرفين بدور سالفا كير الايجابي في جهود إحلال السلام بين السودانيين.

ولم تكن صدفة أن يقوم رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك بأولى زياراته الخارجية الى جوبا ((12 ايلول/ سبتمبر)) وأن يصرح من هناك ((أنا مسرور لوجودي في وطني الثاني, نتطلع الى علاقات مميزة لا تحدها سوى السماء))!

أما وزيرة الخارجية أسماء عبد الله فقالت: ((نحن أشقاء وشقيقات.كنا بلداً واحداً، ونحن الآن بلدان ولكننا لا نزال شعباً واحداً)).

وكان الفريق رئيس المجلس العسكري السابق اللواء عبدالفتاح البرهان زار جوبا ايضاً في 28 أيار/ مايو السابق. كما زارها نائبه حمدان دقلو ((حميدتي)) في تموز/يوليو الماضي.

يقول المصدر المطلع: السودانيون بكل أطيافهم السياسية مصممون على استعادة الجنوب. نحن وحدويون ولا امكانية للعيش في دولتين منفصلتين, فكل منا يكمل الآخر, وهذا شعور السودانيين في الشطرين , ولذلك نحن على يقين بأنه سيفرض نفسه في النهاية على السياسيين. ونعتقد أن الجنوبيين يراقبون الشمال ويريدون التأكد من استقرار السلام وتجذر الديموقراطية فيه, قبل أي قرار للوحدة معه لكيلا تتكرر المحنة.  

ويضيف: نتوقع أن تقوم في البداية فيدرالية أو كونفيدرالية بين البلدين, وتدريجياً سيعود الجنوب للالتحام بالشمال.

الوسوم