بيروت | Clouds 28.7 c

على هامش قصف منشآت ((آرامكو))/ بقلم السيد: صادق الموسوي

على هامش قصف منشآت ((آرامكو))/ بقلم السيد: صادق الموسوي

مجلة الشراع 27 أيلول 2019 العدد 1918

 

بدأ قصف مواقع مهمة وأساسية في شركة النفط السعودية ((آرامكو)) بمنطقتي بقيق وهجرة خريص وكأنه اعتداء على الكعبة المشرفة، بل لو تمّ الاعتداء على بيت الله الحرام لما كان له هذا الوقع لدى مراكز القرار في العالم لأن هذا الإعتداء يجرح مشاعر ((عامة)) المسلمين الذين يؤمنون حقاً بقدسية الكعبة فقط، وأن هذا الأمر لا يهمّ المسيحيين ولا اليهود ولا باقي أتباع الديانات المنتشرين في العالم، أما آبار النفط في السعودية فيهمّ أمرها شركات النفط العالمية وإن التعرض لها يؤثر في كسب الأرباح لأصحاب المليارات ويزعج خاطر اللوبي الصهيوني المتحكم بسوق النفط العالمية، فقامت القيامة في وسائل الإعلام حتى أن بعضها وصف العملية بـ11أيلول/ سبتمبر جديد، وبدا لكثيرين أن الحرب على الجمهورية الإسلامية في إيران قد أزفت بل صارت قاب قوسين أو أدنى، ولو حك البعض ذاكرته لعرف ان الهجوم على ناقلات النفط قبل ذلك في ميناء الفجيرة التابع للإمارات العربية المتحدة أثار زوبعة لكنها ما لبثت أن هدأت وتراجع الذين ساقوا الإتهامات لإيران وراحوا يتوددون لها ويرسلون الوفود لعقد اتفاقيات أمنية معها، وبعد فترة أيضا هوجم حقل شبيبة النفطي التابع لشركة ((آرامكو)) نفسها التي هوجمت اليوم وكان الصراخ في الإعلام والمواقف النارية من زعماء الدول الغربية، لكن بعد أيام قليلة بردت الأجواء ولم نعد نسمع شيًئاً، لكون ربما تلك الحادثة كانت قبيل أيام الحج.

واليوم أيضاً نسمع النمط نفسه من الضجيج من الأشخاص السابقين أنفسهم وإن بوتيرة أعلى قليلاً، لكن يظهر من بين سطور المواقف النارية هذه مطالب واضحة من جانب المؤيدين وبكلمات معدودة: نحن لا نفعل شيئاً بالمجان، إذا أردتم حمايتنا إدفعوا لنا المال الذي نريد واشتروا منّا السلاح الذي نريد، وسلّموا لنا القرار الذي نريد، ثم ننظر نحن ماذا يمكننا أن نفعل لكم.

والوقائع أظهرت أن كثيرين من زعماء الدول في المنطقة قد نفّذوا الثلاثي المطلوب بالكامل بل تكرموا على الدول الكبرى بمبالغ فوق ما طلبوا على شكل هدايا للشخصيات ومساهمات في مؤسسات واستثمار في شركات لدى تلك الدول، ونتيجة لذلك تحولت بين عشية وضحاها الدول الخليجية الثرية صاحبة الفائض المالي دولاً مدينة تقترض من هذا وذاك في الداخل عبر سندات خزينة وإجبارياً أحياناً وتستدين من المصارف الكبرى في الخارج بفوائد عالية، ورضيت تلك الدول التي كانت حتى الأمس القريب تنفق على غيرها من فائض ثروتها أن تخضع لقرارات وضغوط صندوق النقد الدولي فرفعت أسعار الوقود والسلع الضرورية وفرضت الضرائب على مواطنيها بغية تأمين المبالغ المطلوبة للدائنين الأجانب، وبعد أن قبض رؤساء الدول الإستعمارية المبالغ المطلوبة تخفت الأصوات وتغيب التهديدات ويتمّ توكيد وجوب حلّ المشاكل بالطرق الديبلوماسية.

لا نحتاج لجهد كبير ولا لكثير عناء لنطلع على الخط البياني للمواقف منذ مجيء دونالد ترامب حيث ترتفع نبرته ويعلو صوته وتتوالى تهديداته ويحرك مخاوف الدول العربية الثرية من خطر إيراني وشيك ويسلط الأضواء على ما يستفز مشاعرها لتلجأ إليه طالبة حمايته وعندئذ يبدأ في ابتزازها ويطلب المال بالقدر الذي يحلو له فيجد الإستجابة السريعة وتلبية الطلب بمجرد إجراء مكالمة هاتفية قصيرة، ويتباهى أمام مناصريه في حملاته الإنتخابية الرئاسية بأنه بمكالمة واحدة ومختصرة حصل على ملياري دولار من زعيم أكبر دولة عربية خليجية، ويفتخر بأنه بالمال العربي الخليجي استطاع خلق مليون ونصف المليون فرصة عمل في الولايات المتحدة.

إن المواقف الصريحة المعلنة والمتكررة لدونالد ترامب التي تهين قادة عرباً لا تخفي التردد الأميركي والغربي في استعمال الخيار العسكري ضد الجمهورية الإسلامية بسبب متانة الوضع الداخلي وتوحد كل أطياف الشعب في وجه العدو الخارجي، إضافة إلى التطور الكبير في إيجاد وسائل الردع وامتلاك الصواريخ التي يمكنها تحطيم الأساطيل وتدمير عشرات القواعد العسكرية المنتشرة في المنطقة وحول إيران، وحتى التفوق في بعض الأحيان على أحدث إنتاجات المصانع العسكرية الأميركية والبريطانية والفرنسية، وكل ذلك في ظل الحصار الكامل منذ العام 1979 وعلى الرغم من العقوبات الإقتصادية الشديدة الغربية والأميركية خصوصاً.

وهل يمكن لدونالد ترامب الذي يريد ولاية رئاسية ثانية أن يتحمل تبعات هذا الأمر الخطير وهو الذي يبحث هنا وهناك عن الزيادة في ما عنده من مئات الملايين ويريد العودة إلى عالم التجارة بعد الخروج من البيت الأبيض وله رصيد ومنزلة عند الشعب الأميركي وهو يرى الرئيس الأسبق جورج بوش الذي شنّ الحروب كيف نبذه الأميركيون فيما الرئيس السابق باراك أوباما هو موضع احترام رغم حملات التشويه ضده التي لم تتوقف منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض بمناسبة وغير مناسبة.

وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي والسفير السعودي السابق لدى اميركا عادل الجبير حصر الردود المقدّرة بالمملكة العربية السعودية ((وحدها)) ومن خلال الخطوات ((الديبلوماسية)) و ((القانونية)) و ((الأمنية)) فقط، وصرح باقتصار دور الولايات المتحدة على تشديد العقوبات الإقتصادية على إيران من دون استعمال الخيار العسكري، لكن الوجبة الأخيرة من العقوبات التي أعلنتها أميركا بعد قصف ((آرامكو)) تبين أنها مكررة وليس فيها أي جديد ما آثار سخرية المطلعين على قائمة العقوبات، فحظر التعامل مع البنك المركزي الإيراني مثلاً جاء قبل عام واليوم قام الأميركيون ببيعه مرة أخرى لدول الخليج وأظهروا لهم أنه عقوبة جديدة، فيما استطاع الإيرانيون الإلتفاف على الخطوة الأميركية تلك والتعامل مع دول العالم طوال السنة الماضية من دون أية عراقيل.

واللافت أن رئيس المصرف المركزي الكويتي وجّه بعد أيام قليلة من القرار الأميركي السالف دعوة رسمية لرئيس المصرف المركزي الإيراني لزيارة الكويت وتمّت الزيارة فعلاً قبل أيام، وهذه الدعوة وهذا التوقيت يتضمنان معنى مهماً لمن يريد أن يفهم.

وبعد فشل الرئيس الأميركي في أسلوبه في الإبتزاز كما في تجارب سابقة وإعلان الرئيس روحاني والوزير ظريف إلغاء رحلتهما وعدم المشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام اضطر ترامب إلى التراجع وإصدار التعليمات لوزارة الخارجية لأصدار التأشيرة للرئيس روحاني وظريف وعدد من المرافقين، وحضر روحاني إلى نيويورك رغم أنف ترامب وكذلك محمد جواد ظريف الذي شملته العقوبات الأميركية، وها هما يتجولان في أروقة المنظمة الدولية ويلتقيان مع عشرات من قادة الدول ويعقدان الإجتماعات مع زعماء العالم المتواجدين هناك ويتسابق على إجراء المقابلات معهما مختلف وسائل الإعلام الرئيسية فيبيّنان عبرها مواقف الجمهورية الإسلامية ويفضحان كذب الإدعاءات الأميركية، وهذا ما يشكل خطراً كبيراً على دونالد ترامب عند الرأي العام قبيل الإنتخابات الرئاسية الأميركية إضافة إلى اللقاءات على هامش الاجتماعات الرسمية مع النخب الثقافية والسياسية المؤثرة في مراكز القرار الأميركي، وينتظر العالم بفارغ الصبر ما سيقوله روحاني في كلمته بإسم الجمهورية الإسلامية في إيران أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي ستتعرض حتماً للتطورات في المنطقة، وخصوصاً التوتر الشديد في منطقة الخليج وبيان المبادرة الإيرانية لتعاون دول المنطقة للحفاظ على أمنه وضمان حركة ناقلات النفط فيه بعيداً عن التدخلات الخارجية.

والخلاصة أن الضربة الكبيرة التي أصابت شركة النفط السعودية ((آرامكو)) والخسائر الجسيمة التي نتجت عنها يجب أن تدفع الجميع إلى إعادة حساباتهم ويتفكروا في نتائج تصرفاتهم، لأن الذي استطاع تعطيل أنظمة الدفاع الأميركية المتطورة للمرة الثانية والوصول إلى الأهداف الحيوية المحددة وإصابتها بدقة وتعطيل أهم موقع نفطي في العالم لهو قادر على توسيع مجال ضرباته وزيادة دقة إصاباته وإضافة قدرة المواد المتفجرة على التدمير، والعقل السليم يقول بوجوب علاج الواقعة قبل وقوعها كيف وقد وقعت الواقعة المؤلمة مرتين ويمكن تكرارها ثالثة.

وحسناً فعل ممثل الحوثيين حيث بادر بعد تنفيذ تهديده الأخير إلى إعلان وقف إطلاق الصواريخ وإرسال الطائرات المسيّرة شرط أن يتوقف القصف الجوي والمدفعي من قبل دول التحالف، وعليه فليتلقف العقلاء هذه المبادرة وليبنوا عليها للخروج من المأزق الذي يتخبطون فيه، لأن العناد واللجاجة يؤديان حتماً إلى مزيد من الخسائر لدى أطراف التحالف، خصوصاً وأن اليمنيين قد هددوا بعد قصف ((آرامكو)) بضرب مواقع أكثر حيوية وأبعد مسافة وأشدّ إيلاماً في المرات المقبلة وهم قد تمرسوا اليوم أكثر من ذي قبل في دقة إصابة أهدافهم، وإن من واجب المسلم على المسلم النصيحة وفي المثل العربي القديم أيضاً: كل نصيحة بجمل، وعليه، نحن نقدم النصيحة أداءً للواجب الديني وبالمجان، أيضاً حقناً لدماء المسلمين وحفاظاً على ثرواتهم المنهوبة وحرصاً على استعادة وحدة الصف بين العرب والمسلمين، والله على ما نقول شهيد.

الوسوم