بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ - صهران لا يلتقيان / بقلم: حسن صبرا

من هنا نبدأ - صهران لا يلتقيان / بقلم: حسن صبرا

مجلة الشراع 13 أيلول 2019 العدد 1916

 

انها المرة الأولى في تاريخ لبنان السياسي التي يتصدر فيها مشهده الحالي اطار واسع يضم صورتين لصهري رئيس للجمهورية، الصغير بينهما يعمل للرئاسة كأنه يموت غداً، والكبير بينهما يعمل في السياسة كأنه يعيش أبداً.

جبران باسيل وشامل روكز.

الأول مدني حتى النخاع لكنه مدجج بكل أنواع الأسلحة، يتصرف وكأنه في جبهة حرب محاصر فيها من جميع الجهات، يطلق النار كيفما شاء، وكثيراً ما يصيب رجليه لتسرعه وعدم اتقانه التصويب.

والثاني عسكري حتى النخاع يتصرف كأنه راعي كنيسة كثير الوفاء لرعاياها وهم من خريجي الرعوية نفسها في المدرسة الحربية. والغريب في الأمر ان عم الاثنين وهو عسكري وقائد سابق للجيش يجد نفسه أقرب الى الصهر المدني بينما يجد الصهر العسكري نفسه حاضناً للمدنيين الكثر في تيار عمه.؟

لم يسبق لصهر لرئيس جمهورية ان كان مالىء الدنيا وشاغل الناس كما هو جبران باسيل، والصهر الوحيد الذي عرفه اللبنانيون لرئيس جمهورية هو فارس بويز كان في موقعه وسياسته وثقافته وسلوكه مؤهلاً لدبلوماسية مخاطبة الجميع أصدقاء وخصوماً، وابن مدرسة سياسية تقليدية يدين بالعائلية منها لوالده الراحل نهاد بويز ويدين بالموقع الرسمي منها لعمه الياس الهراوي.

جبران باسيل وشامل روكز ما خرجا من أي بيت سياسي والمعرفة السياسية ما عرفاها على تفاوت المعرفة بين الاثنين الا من بيت رجل عسكري كل قدراته السياسية كانت طموحاً بل جموحاً كي يصبح رئيساً للجمهورية، ولقد أمسكه الذين أرادوه رئيساً من هذا الجموح كي يوصلوه لتحقيقه.. وهذا مجال لحديث آخر.

قبل ثنائية الصهرين عرف لبنان ثنائية الشقيقين التي جمعها مع ثنائية الصهرين كونها جميعاً في عائلات مارونية:

ريمون وبيار اميل اده

داني ودوري كميل شمعون

امين وبشير بيار الجميل

سبحان الله

كيف يتجسد التقليد العشائري – العائلي العربي في تركيبات سياسية ما عرف عنها يوماً الاعجاب بالعروبة.. ابداً.

والمفارقات العجيبة، انه لم يتسنّ لأعرق البيوتات السياسية ان يتجاور شقيقان في عمل سياسي واحد طيلة عقود الا نادراً. في حالة اولاد يوسف بيك الزين، حين كان ولداه الراحلان عبداللطيف وعبدالمجيد في مجلس نيابي واحد، ثم عبداللطيف وعبدالكريم في مجلس آخر.

وما عدا ذلك غابت ثنائية أي من الاشقاء او الأخوة عن العمل السياسي معاً.. فكيف بالاصهار؟ وأين هم سابقاً؟

لم يستطع غابي المر البقاء في مجلس النواب مع شقيقه الرئيس ميشال المر، لأن استخبارات الاسد المحتلة للبنان منعت وصول صوت معارض يملك وسيلة اعلامية معارضة كبيرة، فأسقطته بعد نجاحه في الحصول على مقعد نيابي في المتن.

ولم يسمح القدر لعمر كرامي ان يدخل المعترك السياسي ليكون نائباً او حتى سياسياً حين كان شقيقه الرشيد نائباً ورئيساً  للوزراء، بل ان عمر ما أصبح رئيساً للحكومة بعد ان عين نائباً ثم انتخب الا بعد اغتيال الرشيد.

وحين كان صائب سلام زعيماً شعبياً ونائباً ورئيساً للحكومة، كان شقيقه مالك (ومصباح أيضاً) في موقع المعارضة حتى لو كان في وظيفة ادارية، ومن هذا الموقع الكبير لصائب سلام تولى نجله تمام الزعامة، فدخل المجلس النيابي من موقعه السياسي الشعبي، ومنه الى كرسي رئاسة الحكومة.

وفي درجة أدنى في الموقع السياسي حجبت أرملة المير مجيد ارسلان السيدة خولة جنبلاط ارسلان، وبمساعدة من غازي كنعان مقعد النيابة وزعامة البيت الارسلاني عن قاروطها الامير فيصل، وقدمته بمساعدة استخباراتية سورية محتلة لابنها طلال.

توفي فيصل وما زال طلال حياً، وكم كان وليد جنبلاط طريفاً ومعبراً حين قال انه ترك لطلال مكاناً شاغراً في لائحته الانتخابية، ليظل المقعد شاغراً، على الرغم من وصول طلال الى النيابة.

وفي درجة أعلى نجح أحمد الاسعد في استمرارية زعامته الجنوبية الشاملة عبر ابنه كامل الاسعد الذي كان واحداً من ألمع رجال السياسة وأكفأهم وأكثرهم نزاهة وشفافية.

غاب كامل الاسعد وترك موقعه النيابي والسياسي والعائلي شاغراً، وعندما حاول نجله الأكبر احمد الحلول مكانه انطلق من قاعدة والده الكبيرة، لكنه زعم انه لن يكون كوالده.. فما كان شيئاً يذكر من دون أبيه.

أما صبري حمادة فعلى الرغم من زعامته الكبيرة في البقاع الشمالي والهرمل، فإن غيابه غيّب زعامته وما نجح أي من أبنائه على الرغم من كفاءاتهم في مجالات مختلفة في ابقاء زعامة آل حمادة في المنطقة.. ودائماً بسبب رغبة غازي كنعان في استحداث أدوات، ومؤازرة آخرين.

عودة الى الصهرين

وينسب البعض الى جبران باسيل قوله أمام مسيحيين مغتربين في استراليا انه سينسيهم بشير الجميل وكميل شمعون.

بينما لم يستطع أحد سحب أي كلام مستفز من شامل روكز، وهو يتعامل في السياسة والنيابة كأنه ضابط في الجيش لا يتحدث في السياسة الا بإذن.

لذا

يبدو جبران كثير الأخطاء.. وهذا ما يتجنبه شامل..

لكن مقارنة جبران لنفسه ببشير الجميل لا تمر من دون استفزاز ليس البشيريين ومنهم سمير جعجع فقط، بل تستفز كل من قرأ الفروقات الجوهرية بين باسيل والجميل الابن.

أولى هذه الفروقات

قضية باسيل المركزية هي ما يسميه هو حقوق المسيحيين، وهذا مأزق شخصي لجبران ووطني للتيار، اذا أراد الصهر الصغير مقارنة نفسه ببشير، لأن الرئيس المنتخب الراحل تجاوز بضاعة جبران حين راح يطالب بحقوق لبنان، وتحريره من سيطرة المنظمات الفلسطينية ومن احتلال استخبارات آل الاسد للبنان، لقد ارتكب بشير خطيئة التعامل مع اسرائيل، لكنه قتل يوم 14- 9- 1982، وهو يبدأ انسحابه التدريجي من هذا التعاون الذي أوصله الى رئاسة الجمهورية في آب/ اغسطس من العام نفسه.. فقد كان تعاونه مع العدو الصهيوني لازماً للأمور الثلاثة: سحب المنظمات الفلسطينية – اخراج استخبارات الاسد – وصوله الى رئاسة الجمهورية، ونحن نؤمن بقول جمال عبدالناصر يجب ان تتناسب أساليبنا شرفاً مع غاياتنا بينما يرى جبران باسيل ان وصوله الى الرئاسة يبدأ بموافقة حزب الله على ترشيحه ثم انتخابه كما حصل مع عمه عام 2016.

لذا يهرب جبران من حالة بشير الى ذاته لمناكفة سمير جعجع تحت شعار حماية حقوق المسيحيين!

عند جبران تجربة عمه رئيس الجمهورية عندما خاض ميشال عون حرب الالغاء؟ ولولاها لما كان لجبران قضية اسمها استرجاع حقوق المسيحيين.. الطائف يا جبران ما كتب إلا بدماء أكثر من مئة ألف لبناني نصفهم من المسيحيين فهل في لبنان من يملك تقديم دماء 50 ألف مسيحي من أجل العودة الى دستور ما قبل الطائف؟ وهل تستحق رئاسة الجمهورية ان يدفع 50 ألف مسيحي حياتهم من أجل ان يكون شخص ما.. أي شخص رئيساً للجمهورية؟ الا اذا كان همجياً كبشار الاسد ذبح شعباً وهجره وخطفه ودمر كل ما بناه خلال عقود من أجل ان يبقى رئيساً؟

هذا الفرق الهائل بين بشير وجبران لم يدخل فيه شامل روكز، الأكثر تواضعاً والأكثر صمتاً في سعي غير أكيد للرئاسة.

ثاني الفروقات

ان اسم بشير الجميل لم يقترن يوماً بشراء العقار او جمع المال.. بينما يقيم جبران دعاوى بالجملة ضد من يتهمه بالفساد وما كان الاعلامي جو معلوف اولهم، ولن تكون النائبة بولا يعقوبيان آخرهم.

ويجلس شامل روكز على شرفة منزله الكسرواني محاطاً بجمهور عوني يأخذ على صهر الرئيس الصغير مسائل عديدة ويجد ان العميد السابق أقرب الى حالة الناس العاديين.

ثالث الفروقات

ان بشير بدأ حيث بدأ الآن جبران باسيل من حيث فتحه مروحة معارك مع كل القوى السياسية ومع كل الطوائف والمذاهب، بينما انتهى بشير الى حديثه العلني عن انه أصبح رئيساً لكل لبنان، وهذه العبارة هي التي ربما عجلت بقتله بعد ان رفض توقيع معاهدة صلح منفردة مع العدو الصهيوني.

شامل روكز لا يخوض أي معركة خارج اطار انتماءيه العسكري والحزبي.

فهو وقف مع المتقاعدين العسكريين للمحافظة على ما كانت عليه اوضاعهم المالية السابقة.

وهو وقف مع قاعدة تياره الحزبي التي تشهد تململاً كبيراً ضد الصهر الصغير الذي هو رئيس تيار حزبي أسسه عمه.

شامل روكز يبدو كمن يلملم القاعدة الحزبية التي شتتتها سلوكيات عديله الصغير، ويمنعه من المس ببيئته العسكرية السابقة.

والطريف في الأمر ان احداً من السياسيين الذين ينقلون عن الرئيس ميشال عون عبارة روح شوف جبران، او ما أسماها سمير جعجع ((قوم بوس تريز)) لم يسمع منه مرة واحدة كلمة روح شوف شامل.. لا من العسكر المتقاعدين رفاق عون السابقين ولا من الحزبيين في التيار الذي أسسه عون نفسه.

ولو اعتمدنا قاعدة المكتوب يقرأ من عنوانه لوجب علينا الاستنتاج بأن عون في هذه الحالة منحاز لجبران على حساب شامل.

فهل يريد عون كسر قاعدة توريث عسكري، وهو رابع قائد جيش يتولى رئاسة الجمهورية بعد فؤاد شهاب واميل لحود وميشال سليمان لمصلحة المدني جبران الذي هو على شاكلة عقله وسلوكياته، وفي هذا قطع للطريق ايضاً ليس على عسكري سابق هو صهره شامل روكز، بل على عسكري حالي هو قائد الجيش جوزيف عون؟ من يدري!

شامل روكز الأعقل ربما يدرك بهدوئه انه يمكن ان يرث جبران باسيل في التيار.. اثناء انشغال الصهر الصغير بالسعي لوراثة عمه في الرئاسة.. واذا ما حصل هذا فإن جبران سيخسر الدنيا والآخرة في السياسة، أي انه لن يصبح رئيساً للجمهورية، ولن يعود الى رئاسة التيار.. وربما ستغيب الى الأبد عبارة ((روح شوف جبران)).

حسن صبرا

 

 

الوسوم