بيروت | Clouds 28.7 c

الثورة السودانية ((معجزة)), صنعتها عبقرية شعب  (1 من 2) /  بقلم: محمد خليفة

الثورة السودانية ((معجزة)), صنعتها عبقرية شعب  (1 من 2) /  بقلم: محمد خليفة

مجلة الشراع 6 أيلول 2019 العدد 1915

 

*لماذا انتصرت بعد أن فشلت بقية الثورات العربية؟

*ابتكر السودانيون حيويات ثورية قهرت أعتى أجهزة السلطة العميقة

*قوى الثورة متحفزة وممسكة بالشارع للتصدي للثورة المضادة

*منظومات شعبية لمراقبة الاحزاب والحكومة والجيش وبقايا النظام السابق

 

 

 حتى 17 آب/ أغسطس الماضي تاريخ توقيع المجلس العسكري, وقوى الحرية والتغيير وثيقة ((الاعلان الدستوري)) الذي طوى عهد النظام السابق, ظلت الثورة التونسية تتقدم بقية ثورات الربيع العربي منذ انطلاقتها أواخر 2010, لكونها رغم بعض الملاحظات عليها الأكثر سلمية ونجت من محاولات استدراجها للعنف والصراع الداخلي, وقدمت قوتها الرئيسية ((حركة النهضة)) تنازلات من مكاسبها لتتجنب ما حدث في ليبيا وسورية واليمن ومصر, وقبلت ((نصف ثورة)), ولكنها في نهاية المطاف نقلت بلادها الى تجربة ديموقراطية, أرقى مما سبقها, منذ الاستقلال.

 الثورة السودانية أزاحت التونسية عن منزلتها وتربعت مكانها. هي الآن الأولى عربياً . ثورة مكتملة, أسقطت نظاماً شمولياً أنشأ ترسانات سياسية وحزبية, وأمنية, وتشريعية, وايديولوجية. وشرعت في اقتلاع دولته العميقة, ووضعت ضمانات مؤسسية تحول دون استيلاء العسكر على السلطة, وفرضت دستوراً عصرياً, مقارنة بدساتير السودان السالفة, ودساتير الدول العربية.

كيف حقق السودانيون انجازهم الرائد؟ وما سر قوة ثورتهم؟ كيف يمكن للشعوب العربية الاستفادة من الدرس السوداني في التجارب القادمة؟

 أسئلة كثيرة يبحث المراقبون عن اجابات لها. لا سيما وأن تركيبة الشعب السوداني وتكوينه القبلي والجغرافي والإثني والثقافي توفر تناقضات تخدم السلطة أكثر مما تخدم الثوار.

في ما يلي سنحاول سبر وتحليل الحدث من داخله. لاستكشاف عناصره الخلاقة, وتحديد ميكانيزمات الثورة - المعجزة, وآلياتها الميدانية التي تفوقت على الدولة المتوحشة, بكل مستوياتها, الرسمية والعميقة, وأفشلت محاولات إخمادها واحتوائها أو دفعها للانتحار بانزلاقها للعنف.

 ومن المنطقي أن تتم هذه العملية بالمقارنة مع تجارب الربيع العربي السابقة والحالية, لأن الشيء بالشيء يذكر, والضد يظهر حسنه الضد!

بداية الثورة عام 2013

 مثقف سوداني يساعدني على فهم خصوصيات الحالة المعقدة, قال لي سأبدأ بلفت انتباهك الى مفاتيح لا بد منها لفك ألغاز المعجزة:

 أولها - إنه لا ثورة تنتصر بالصدفة, للنصر شروط موضوعية في مقدمتها, أن تتمكن من تنظيم قواها, وتتفوق على قوة السلطة الحاكمة.  

ثانيها - إن ثورتنا لم تقلد ثورة أخرى عربية أو عالمية كما يقول البعض. فالثورات قد تتلاقح, إلا أنها لا تتناسخ. وكل ثورة تستنبط تجربتها المميزة من عبقرية شعبها, وتعكس ثقافته وتقاليده ونمط سلوكه. أنتم تعتقدون أن ثورتنا استفادت أو استلهمت الثورة السورية, وسأوضح لك بصماتها السودانية الخاصة. شعبنا بطبعه لا يتصف بسرعة رد الفعل مثلكم, ولا يرد على الظلم فوراً, إنه يتحمل ويستوعب ويفكر في شكل وأسلوب الرد, فإذا لم يجد مناصاً من الثورة, خرج الى الشارع, وإذا خرج فلن يعودوا قبل استرداد حقه.

ثالثها – إن الثورات الشعبية لا تحدث فجأة, بل تمر بمخاضات وإرهاصات. ثورتنا الأخيرة لم تبدأ في تشرين الأول/ ديسمبر 2018, بل في ايلول/ سبتمبر 2013 رداً على عجز النظام عن التعامل مع كارثة السيول التي ضربت الخرطوم, وبلغ عدد المنكوبين أكثر من 84000 وغرق 26000 مسكن, وأوقعت 11 قتيلاً, وأكثر من 000 150 منكوب. حينها أطلق متطوعون مبادرة ((النفير)) فانضم إليها 5000 متطوع في يومين وقاموا بأعمال عظيمة أكسبتهم احترام الناس. فتنبه النظام لخطورتهم, فانقض عليها وشيطنها, واتهمها بتلقي أموال من اسرائيل! ليخفي عجزه ويعزلها عن الناس. في ضوء ذلك اكتشف الشباب غير المحزب عناصر قوة السلطة ونقاط ضعفها, فبدأوا العمل ببطء وبشكل علمي منظم للتغلب عليها , وفي تشرين الأول/ ديسمبر 2018 نضجت الظروف للثورة والنصر.

كان النظام قد حظر الأنشطة السياسية عدا الاسلامية والدينية, فتحول الشباب بعد إخماد انتفاضة 2013 لأشكال من النشاط المدني غير تقليدية, لم تألفها السلطة ولم تستشعر مخاطرها, فتسامحت معها, لأنها لم تكن سياسية ولا ثورية في الظاهر!

مبادرات صغيرة لتشكيل جمعيات وشبكات اجتماعية وانسانية في مجالات الصحة والخدمة المدنية والتعليم والبيئة :

  • مبادرة (شارع الحوادث) تجمع المال لصالح الفقراء العاجزين عن تسديد نفقات العلاج, لأن النظام ومواليه رفعوا رسوم الطبابة والعلاج بشكل جنوني. تواجدت هذه الجمعيات أمام المشافي العامة, لاستقبال المرضى المعوزين, وتقدم لهم بعض ما يحتاجونه. وصار كل فقير يقصد المشفى وهو متأكد من توفر دعم محدود له, ونجحت الجمعية فتكاثرت.
  • ظهرت مبادرة ((راما)) المختصة بمساعدة مرضى السرطان.
  • مبادرة ((شارع بيتنا)) التي شكلت مجموعات صغيرة في كل حي وكل شارع لتنظيف الشوارع طوعياً.
  • جمعية خاصة لمكافحة الحشرات والبعوض.
  • مبادرة ((فضي دولابك)) لخدمة ومساعدة الفقراء .
  • مبادرة ((تعليم بلا حدود)).
  • جمعية العناية بأطفال الشوارع المشردين.
  • جمعية ((ضع ما تستطيع وخذ ما تحتاج) ) صناديق مثبتة في أماكن عامة يضع فيها الميسور ما يستطيع, ويأخذ المعوز منها ما يحتاج تلقائياً!

هذه المبادرات الطوعية المبكرة أسست أقوى شبكات الحراك الاجتماعي المدني الذي ظهر جاهزا ومدرباً للفعل في الساحة , بمجرد تحرك الشارع في تشرين الأول/ ديسمبر 2018, إذ طورت بسرعة أنشطتها وكيفتها حسب الحاجة, وأصبحت بمثابة عجلات ومحركات قوية لحركة الاحتجاج التي ظلت رابضة في الساحات والشوارع شهوراً متواصلة, تقدم الطعام والشراب لمئات الآلاف بانتظام, وتنظف المكان, وتعالج الجرحى, وتقدم كل أشكال الدعم والتوجيه والتنظيم والتوعية بطريقة منظمة.

ومع تصاعد الثورة في الداخل اتسعت مبادرات السودانيين عبر العالم , فظهرت شبكات لجمع التبرعات وإرسالها للداخل , وشبكات اعلامية لبث أخبار وصور النشاط للخارج ووسائل الاعلام الاجنبية . والاتصال برجال السياسة والنواب في الغرب. وأخذت على عاتقها نقل جرحى القمع لعلاجهم في الخارج. والعناية بأسر الشهداء, وتخصيص رواتب شهرية لهم ومعونات عينية متعددة, وتأسس صندوق للتأمينات الاجتماعية. وهذه المنظمات والشبكات مستمرة في التوسع حتى أصبحت أجهزة بديلة لأجهزة الدولة المعطلة أو المعاقة.

على الجبهات الأمنية والسياسية

هذا على الجبهات الاجتماعية الخلفية, أما على الجبهات الأمامية الأمنية والحركية, فنشأت مجموعات من نوع آخر,  متخصصة بأنشطة أخطر, عملت كأجهزة استخبارات للثورة, تجمع المعلومات عن تحركات أجهزة السلطة ورجالها ورموزها, وتوزيعها على من يجب أن تصلهم من قادة الحراك, والرأي العام . على سبيل المثال:

  • ((منبر شات)) الذي أسسته شبكة واسعة من الفتيات قبل الثورة للنميمة والتسلية وجمع المعلومات عن الشباب الراغبين في الزواج تحول بعد الثورة جهاز استخبارات حقيقياً يجمع المعلومات عن رجال النظام وضباط جيشه واستخباراته ولصوصه, ونشر صورهم مع معلومات وافية عنهم وعن اسرهم وما يقترفونه, بقصد التشهير بهم, وفضحهم, وتحذيرهم , ومطالبة أسرهم بردعهم. وكان لهذا النشاط نتائج مدمرة على أجهزة السلطة القمعية , والعاملين فيها . وجمع هذا الجهاز معلومات حساسة وضخمة عن آلاف من رجال السلطة, وخصوصاً ضباط الاستخبارات والعسكر, استعداداً لتقديمها للقضاء لمحاسبتها. ووسعت نطاق عملها لجمع المعلومات عمن يتولى الآن منصباً في الحكومة والدولة لكي لا يتسلل رجال النظام السابق!
  • تشكلت منذ بداية الثورة ((لجان المقاومة)) في كافة الاحياء في المدن هدفها تنظيم الاحتجاجات وضبطها وحمايتها. تقوم بتفتيش المتظاهرين ومنعهم من حمل أسلحة أو أدوات حادة أو عصي, ولا تسمح بغير الهواتف لكيلا ينجرف الحراك للعنف.
  • تشكلت فرق خاصة من الجنسين لنقل التعليمات وإيصالها للشباب عن أماكن ومواعيد التظاهر, وتسريب الأخبار المهمة, والتحذير من مكائد الشرطة. وكانت هذه تترك احياناً أسلحة نارية وذخائر في الشوارع, ليأخذها المحتجون ويستعملوها, تكراراً لأساليب نظام الاسد في عسكرة الثورة, فكانت فرق ((لجان المقاومة)) تقوم بنشر معلومات عن أماكن وجود الاسلحة وتحذر من أخذها!      
  • تشكلت مجموعات من الفتيات والنساء في كل حي, متخصصة باطلاق الزغاريد في أوقات محددة, إما لتحذير المتظاهرين من وصول قوات القمع وإما لدعوتهم للخروج للشارع. ولا يخرج المتظاهرون الا بناء عليها, وأصبحت الزغاريد بمثابة ((صفارات إنذار)). وحين صارت الشرطة تهاجم المتظاهرين في الشوارع الكبيرة والساحات بالرصاص, انتقل المحتجون للشوارع الضيقة, وصاروا يغلقون مداخلها ومخارجها, لمنع الشرطة من دخولها, وكانت النساء المكلفات يواجهن الشرطة لمنعها من التسلل.
  • تشكلت مجموعات تسمى ((صائدات القنابل)) تقوم بتلقي قنابل الغاز المسيل للدموع التي تقذفها الشرطة على المتظاهرين, وتردها فوراً باتجاه الشرطة.
  • ((لجان المقاومة)) لم تتوقف بعد انتصار الثورة بل طورت دورها وأصبحت تسمى ((لجان حراسة الثورة)) ومهمتها الجديدة مراقبة القوى السياسية التي تصدرت المشهد عبر ((قوى الحرية والتغيير)) فهي تراقب مواقفها وسلوكها وتتصدى لأي انحراف عن مبادىء الثورة الاصلية, وتراقب تعيين الوزراء  والمسؤولين في النظام الجديد, منعاً لتسلل أي شخص تحوطه شبهة. ومنعا لرجال الأحزاب والسياسة من ((الحرية والتغيير)) من الانحراف عن مبادىء الثورة واستغلال النصر لمصالحهم الشخصية والتحول الى طلاب سلطة. وقد تظاهرت ((لجان حراسة الثورة)) أمام المقر الذي اجتمع فيه وفد ((الحرية والتغيير)) لاختيار ممثليهم للمجلس السيادي, وقاموا بالضغط والهتاف الحاد لمنعهم من تعيين بعض المرشحين, وفرضوا ما أرادوا ! وتكررت الحادثة إذ رفضت هذه اللجان في كردفان استقبال وفد من رجال الحرية والتغيير.
  • لا يخفي الشباب عدم ثقتهم برجال الاحزاب التقليديين, إذ نشأت حركتهم أصلاً للاحتجاج على النظام وأحزاب المعارضة, لأنها لم تتصد له, ولم تفعل شيئاً لمواجهته وما زالت لا تثق بها ((حالها كحال أحزاب المعارضة في دول الربيع العربي))!
  • قامت ((لجان حراسة الثورة)) بمداهمة بعض مقرات ومراكز حزب المؤتمر الوطني ((حزب البشير)) والسيطرة عليها وتحويلها مستوصفات ومشافي عامة مجانية تحمل أسماء الذين قتلهم النظام ! وهناك عمليات منسقة لتغيير اسماء الشوارع بأسماء القتلى وإزالة اسماء رموز النظام.
  • ظهرت في الشهور الاخيرة لجان جديدة تسمى ((لجان التسيير)) وهذه اللجان تقوم بمهمة بالغة الخطورة والأهمية, فهي تقوم بمراقبة الموظفين المحسوبين على النظام السابق لمحاصرتهم ومراقبة قراراتهم, ومنعهم من استغلال سلطاتهم في أي تصرف يهدد الثورة, أو يتعارض معها. وبهذه العملية أمكن لجان التسيير أن تضع ((الدولة العميقة)) للنظام الزائل تحت رقابتها, ومنعها من التخريب!  
  • كما تقوم ((لجان التسيير)) ذاتها بمهمة أخطر من سابقتها حالياً, فهي تتصدي لواقع ((النقابات المهنية)) التي غير النظام السابق تركيبتها وأنظمة عملها, ليسيطر عليها, ويستعملها لصالحه. فأدخل في نطاق أعضائها كل من يعمل فيها, ولو كان فرّاشاً أو سائقاً, واستطاع تجيير نتائج الانتخابات لصالحه, في نقابات الصحافة والتعليم والأطباء والمهندسين! وقام المجلس العسكري السابق بتعطيل هذا القانون مبقياً الوضع على حاله , ومنع تشكيل نقابات حرة جديدة . ولذلك تعمل لجان التسيير على الغاء النقابات القائمة تمهيداً لوضع قانون جديد أو العودة لقانون المنشأ أو السماح بتشكيل نقابات حرة جديدة.

 على الصعيدين الاجتماعي والثقافي

  • ظهرت مؤخراً مبادرة وحملة شعبية عريضة لإعادة البناء تسمى ((حنبنيهو)) أي سنعيد بناء البلد بالتبرعات الطوعية , وخصوصاً ما دمره النظام, وما خربته السيول التي حدثت في الأسبوعين الأخيرين وسببت كوارث انسانية ضخمة تشبه سابقتها في 2013, وكأنها تذكر السودانيين بالبداية الفعلية لثورة تشرين الأول/ ديسمبر 2018 قبل ست سنوات وشكلت أكبر إرهاصات الثورة, وصنعت النصر الكبير الذي تحقق.
  • لم توقف ((لجان الأحياء)) التي اضطلعت في أثناء الثورة بتنظيم التظاهرات وأعمال الرفض في كل حي, بل قامت بتغيير طبيعة أنشطتها بعد الانتصار الذي تحقق, وغدت تنظم ندوات مفتوحة يومياً لشرح التطورات ومتطلبات التغيير والثورة, وقضايا القانون والديموقراطية وحقوق الانسان والمرأة وضرورة المشاركة الواسعة لكل المواطنين والقوى الشعبية فيها بفعالية استكمالاً لعملية التغيير المنشود. وتجتذب هذه الندوات أعداداً غفيرة من الحضور صغاراً وكباراً ونساء وذكوراً, وتجري مناقشات حرة وسجالات جادة, وتستضيف اللجان في ندواتها رجال سياسة ومفكرين وحقوقيين للاستماع لآرائهم, ومناقشتهم وفهم كل ما يجري منهم يوماً بعد يوم.
  • تكشف هذه التطورات والتحولات عن واقع جديد في السودان لم يعد ممكناً لأي قوة تغييره. كما تكشف عن وعي اجتماعي جديد يشمل كل السودانيين, وكل أنماط وجوانب حياتهم اليومية العامة والخاصة, إذ يقول لي صديقي المثقف السوداني البارز: تصور أن الشعب الذي كان لا يعرف للوقت قيمة ولا للموعد حرمة صار يلتزم بالمواعيد بدقة متناهية, لأنه اضطر في أشهر الثورة للالتزام بدقة متناهية بمواعيد التجمع والتظاهر, وانطلاق الهتاف والحركة!
  • وفي هذا الواقع لم يعد ممكناً لأي ثورة مضادة أو حركة تخريبية أن تنجح في ظل معادلات السلطة الفعلية, ذلك أن السلطة الفعلية في عموم البلاد حالياً ليست في ايدي الدولة او الأجهزة الأمنية والعسكرية والادارية بل هي في أيدي قوى المجتمع ومنظمات الحراك الثوري والاجتماعي التي انطلقت مع الثورة ورسخت أدوارها في الواقع بفضل تجاوب الحاضنة الشعبية معها وتأييدها لا بفضل الدولة. لقد حازت هذه المنظومات سلطات فعلية بدءاً من الأحياء الصغيرة وحتى الحكومة والسلطة العليا، وهي تتوزع على النحو التالي:

أولاً : حكومة تدير شؤون البلد, تشكلت بتوافق احزاب وقوى سياسية من ((قوى الحرية والتغيير)) .

ثانياً: لجان الأحياء ولجان التسيير وغيرها تراقب الأحزاب السياسية وخصوصاً, قوى الحرية والتغيير.

ثالثاً: هناك مبادرات لانشاء قوى نقابية وحزبية واجتماعية جديدة تسكنها روح الثورة وتوجهات مختلفة عن الاحزاب والنقابات السابقة, وتتبنى قيماً ثورية وثقافية مختلفة.

رابعاً: هناك مئات الشبكات والمبادرات والمنظمات الاجتماعية الحرة التي ظهرت وأصبحت تمارس سلطات محلية وتقدم الخدمات المختلفة للناس بدءاً من الصحة والتعليم والنظافة والبيئة والدعم الاقتصادي والانساني, ونشر الوعي, وكل أشكال الخدمات.

يقول محدثي السوداني: هذه الحيوية الاجتماعية التي ظهرت تدريجياً عبر ست سنوات بصورة حرة وطوعية وخلاقة هي التي خلقت ((الثورة السودانية)) ولولاها لما استطاعت الحركة الاحتجاجية في الشارع قرب قصر الرئيس أو بعض ساحات الخرطوم أن تتغلب على أجهزة النظام الاخواني الذي لم يكن أقل استعداداً لسفك الدماء من أي نظام عربي آخر بما فيه نظام الأسد. وكان يدفع الجيش ويحرك الأجهزة العميقة الحزبية والأمنية لاخماد الثورة بكل ما أوتيت من قوة, إلا أن إدراك الجيش استحالة القضاء على الاحتجاجات التي انتشرت في جميع مسامات وخلايا المجتمع, ومفاصل البلاد من دون نهر غزير من الدماء, هو ما فرض على قادة الجيش اتخاذ قرار خلع الطاغية قبل أن يورطهم ويورط البلاد في كارثة لا تقل عن كارثة سورية أو ليبيا أو اليمن!

هذه الثورة - المعجزة تفوقت على ثورات الربيع العربي الأخرى, بفضل تنظيمها المحكم الذي لم تخططه أي جهة سياسية أو حزبية, ومثاليتها العالية , وروح الجماعة والمواطنة التي تجلت فيها, وهي خصائص ومزايا شكلتها وأفرزتها عبقرية الشعب السوداني. ولم يخطىء مبعوث الاتحاد الافريقي محمد الحسن ولد البات حين قال إن هذه الثورة ستغير أفريقيا بكاملها, ولا ندري لماذا لم يقل إنها ستغير العالم العربي أيضاً ؟؟!                      

 

الوسوم