بيروت | Clouds 28.7 c

عبدالناصر الكرامة القومية / بقلم: عبدالوهاب الزنتاني

عبدالناصر الكرامة القومية / بقلم: عبدالوهاب الزنتاني

15 كانون الثاني/يناير 1918 -  28 ايلول/سبتمبر 1970

  قالت العرب، رجل يحيي قبيلة، ونقول جمال عبدالناصر رجل أحيا أمة، ولقد صدق نزار قبانى عندما قال ((قتلناك يا جبل الكبرياء ويا آخر قنديل زيت يضيء لنا في ليالي الشتاء)).

نعم لقد كان جمال عبدالناصر عظيم الكبرياء وهو ضمير الأمة ورجلها الصادق الأمين وكان ضياء لياليها وهو ما عبر عنه الشاعر بالقول ((آخر قنديل زيت يضيء لنا في ليالي الشتاء)).

والآن وقد طالت ليالي الشتاء بظلامها على أمتنا العربية بعد رحيل الرجل الذي قال ((إرفع رأسك يا أخي فقد زال عهد الطغيان)).

جمال عبدالناصر الذي ناضل طويلاً من أجل الأمة العربية والوحدة العربية والكرامة العربية، وكان صادقاً وأميناً في دعوته ونضاله، ولسوء الحظ لم يعش طويلاً ولم يأت من بعده من يرفع راية النضال من أجل الكرامة العربية بل صارت الرؤوس على طول وطننا العربي مطأطأة، وقد صدق الجواهري حين قال ((لم يروا لون السماء من فرط ما أنحنت الرقاب)).

وتذكر لنا روايات التاريخ أن جمال عبدالناصر وهو في بداية مراحل الدراسة قد استشاط غضباً وهو يرى سائق عربة إنكليزي يدوس طفلة مصرية في أحد شوارع الأسكندرية دون أن يتوقف أو يسأله أحد فيقول لعمه إن هذا إذلال للمصريين على أرضهم، ويرد عمه قائلاً نعم وقد يأتي اليوم الذي نطردهم فيه، ومن المؤكد أن حادث مقتل الطفلة قد ترسّخ في ذهن الشاب جمال الى أن آتاه الله القدرة والعزيمة على تحرير أرض مصر والأرض العربية من جميع المستعمرين عندما قام بثورة عظيمة طردت حاكم مصر والاستعمار الإنكليزي الذي كان يحميه، ولقد توازى العمل والنضال القومي مع ما جرى في أرض الكنانة حيث قلّمت أظافر الخونة وكسرت أسنان العملاء والخونة بالداخل وحرر الفلاح المصري وانتهى نظام الإقطاع وطوّر الأزهر الشريف وأممت قناة السويس وكان أبرز التحديات ضد قوى البغي قرار بناء السد العالي والذي مثل لطمة للغطرسة الأميركية وفتحت أبواب الجامعات والكليات لأبناء العمال والفلاحين التي كانت متاحة فقط لأبناء الباشاوات وأبناء الأغنياء وأصحاب المناصب في الحكم وأصبحت القاهرة عاصمة للنضال والمناضلين والتحرير وكرامة الإنسان في كل مكان وبالتالي امتلك جمال عبدالناصر عواطف وحب الجماهير العربية من المحيط الى الخليج وما كان لأحد من حكامهم المرتبطين بالإستعمار أن يحول دون ذلك، ولقد تعرض جمال عبدالناصر طيلة فترة حكمه لكم هائل من التشكيك والإتهامات الظالمة من طرف أجهزة استخبارات الحكام العرب والاستخبارات الأجنبية وعلى رأسها الاستخبارات الاميركية وكانت جميعاً قائمة على الكذب والافتراء من طرف أشخاص وجهات مأجورة تبيع قدراتها وإمكاناتها التآمرية لمن يدفع من عملاء وخونة ومأجورين نفعيين تستهدف صدقيته وإسقاط نظامه الوطني القائم على خدمة القضايا الوطنية والقومية، ولم تتوقف تلك المؤامرات والإفتراءات حتى بعد وفاته رحمه الله رحمة واسعة رغبة من آمريها ومموليها للنيل من سمعته وصدق نواياه وإيمانه وقدراته الفكرية والقيادية ويعنيني وقد عشت وعايشت فترة حكم جمال عبدالناصر العظيم أن أقول أنه كان صادقاً في كل ما قام به من أجل العرب والمصريين عموماً بل إن مقدار صدقه كان يرقى الى مستوى التضحية بكل شيء من أجل الأمة العربية والوحدة العربية وإذا كان هناك من خطأ أو أخطاء فهو بشر يخطىء ويصيب، وأذكر أنني عندما أصدرت كتاباً عن حياته قلت أنه رجل العرب وما زلت وسأبقى مؤمناً بأنه رجل العرب ويتراءى لي أن العرب، كل العرب سيندمون يوم لا ينفع الندم وقد حلّت بهم جميعاً الكوارث والأزمات، وربما يجوز لي في هذه المناسبة التاريخية ( 15 كانون الثاني/يناير 1918 ) أن أعرّج قليلاً على وضع العرب قبل وبعد جمال عبدالناصر.

فقبل جمال عبدالناصر كانت أغلب البلدان العربية رهينة في أيدي الإنكليز والأميركان والفرنسيين والطليان ينهبون إمكاناتها ويقهرون أهلها بتنصيب العملاء والمرتزقة والخونة خدمة لمصالحهم وكانت قواتهم وقواعدهم كالثلل منتشرة على طول الأرض العربية دون رادع مما يمثل تحدياً وإهانة لمشاعر الكبير والصغير في أرض حباها الله بكل الخيرات وميّزها على العالم ((خير أمة أخرجت للناس)) وكان أن نادى جمال عبدالناصر وهو على رأس ثورة 23 تموز/يوليو يإخراج المستعمرين من كل الأراضي العربية بحيث تتحرر البلاد والإنسان وكانت بداية ذلك طرد المستعمر البريطاني من كامل الأرض المصرية بعد عقود من السيطرة والإستغلال وكان ذلك تحدياً من جانب ثورة شابة يمتلك رجالها العزيمة والقوة والإيمان تحقيقاً للإرادة الوطنية وما لبث هذا التحدي حتى امتد الى كل الأراضي العربية فتحررت جميعها بقوة الإرادة وأحياناً بقوة السلاح، وبرز جمال عبدالناصر قائداً فذاً عرفه العالم كله وأذكر أنني كنت ضمن وفد ليبـي يزور الأرجنتين لتقديم التهنئة بعودة البيرونية وهناك عرفنا أن تأثير إنجازات ثورة 23 تموز/يوليو وإسم جمال عبدالناصر يسود البلاد حتى أن تنظيماً ناصرياً كان بارزاً في وسط الجيش الأرجنتيني ، وقد تجاوز المد الثوري الناصري البلاد العربية لتتحرر أغلب بلدان أفريقيا شرقاً وغرباً وجنوباً، ولقد كانت تلك الفترة أزهى أيام العرب من ( 15 ك2/يناير 1918 الى 28 ايلول/سبتمبر 1970) ولكن إرادة الله التي لا راد لها كانت في ذلك اليوم ( 28 ايلول/سبتمبر) حيث شمل الوطن العربي حزن عميق وظلام دامس إذ انتقل جمال عبدالناصر الى جوار ربه وبكاه كل أحبابه ومؤيدي سياسته الرشيدة ولقد فقدت الأمة العربية الرجل الذي مثّل ضميرها ووجدانها ورفع شأنها عالياً، وبعده انتكست راية القومية وعاد الأمر الى من يبيعون الارض ومن عليها وحتى السماء لو طالوها في سبيل المال والحكم إستجداء!!

ومنذ هذا التاريخ اي بعد (جمال عبدالناصر) عادت الإمتيازات والإستغلال الاجنبي ورجعت القوات والقواعد الأجنبية بناء على طلبات الإستجداء من جانب الحكام العرب لحمايتهم من شعوبهم التي يقهرونها ويسرقون أقواتها وعربدت إسرائيل الصهيونية تتغنى بالسيطرة على أقدس مقدسات العرب والمسلمين (فلسطين والقدس)، وتطالعنا الأخبار هذا اليوم بأن أحد المسؤولين في الإدارة الاميركية يقول أنهم لا يتصورون دولة إسرائيل بدون ((حائط البراق)) ولا بد أن يتوقع الحكام العرب الذين بلغ بهم الهوان حداً لم يبلغه أحد في ما سبق نتيجة العشق الاميركي أن يضيفوا الى إنحيازهم لإسرائيل حقها في المدينة المنورة (يثرب))!!

 فماذا بعد؟؟

كان التحرير والنضال وكانت الكرامة برمزها جمال عبدالناصر وإذ قد توفاه الله فقد اصطفت جمهرة العملاء والمرتزقة والطبالين والحاقدين والذين كانوا يعيشون على فتات خبز وإسترضاء أسيادهم الأجانب في حملات إفك وكذب وتلفيق ساعين ليل نهار لتشويه كل عمل قام به جمال عبدالناصر ورفاقه.

فالإشتراكية نهب لأموال الناس، وتطوير التعليم إفساد للتعليم، والإصلاح الزراعي إفساد للزراعة، ومجانية التعليم جريمة في حق الوطن، والعمل من أجل الوحدة مؤامرة على العرب، وإقامة كليات الطب والهندسة والزراعة والعلوم بالإزهر الشريف مؤامرة على الإسلام والمسلمين الخ، وهكذا كانوا يحاولون طمس كل شيء، كل عمل خيّر أنجر في عهد الرئيس جمال عبدالناصر وما دروا أن عبدالناصر حي في قلوب الملايين على إمتداد الوطن العربي ولا يمكن لأحد مهما بلغت إرتباطاته بالإجانب وبإسرائيل وغير هذا وذاك أن يستطيع أو يمكنه أن يغطي عين الشمس بالغربال ذلك أن إرادة الله ونضال جمال وحقوق البلاد والناس لن تضيع.

وها نحن أخوته وأبناؤه وبناته والمؤمنون بدعوته ونضاله ومبادئه في كل مكان من وطن العروبة نحتفل بعيد ميلاده سائرين على الطريق الذي اختطه وسلكه جمال عبدالناصر مضحّين بكل شيء من أجل الكرامة والحق متطلعين الى غد تتحقق فيه تلك المبادىء المثلى التي ارتوينا منها ونعيش من أجلها دون تردد  ولا منّة على أحد أو من أحد.

 

عبدالوهاب الزنتاني كاتب ومناضل عربـي ليبـي

 

رحل جمال عبدالناصر فكتب نزار ((قتلناك يا جبل الكبرياء))

جمال: إرفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الطغيان

 

الوسوم