بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ/ فرص جبران للرئاسة عديدة وخصومه يعتمدون على أخطائه – كتب: حسن صبرا

من هنا نبدأ/ فرص جبران للرئاسة عديدة وخصومه يعتمدون على أخطائه – كتب: حسن صبرا

مجلة الشراع 19 تموز 2019 العدد 1909

 

فيما عاصرناه من محاولات التوريث السياسي في بلاد عربية عرفناها تبدو التجربة ((الناجحة)) الوحيدة هي توريث حافظ الاسد لنجله بشار، وهي ناجحة بين مزدوجين لأنها انتهت الى طرد نظام آل الاسد من لبنان، بعد ارتكابه جريمة قتل رفيق الحريري، وكان حافظ الاسد ارتكب جرائم قتل رئيسين للجمهورية هما بشير الجميل ورينيه معوض، وقتل مفتٍ للجمهورية هو الشيخ حسن خالد، وقتل واحد من أكبر زعماء لبنان الوطنيين هو كمال جنبلاط، وهو متهم بقتل القائد الناصري معروف سعد واشعال حرب أهلية والتواطؤ مع العدو الصهيوني لاخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وغيرها.. وارتكاب حافظ الاسد لهذه الجرائم واستمراره من دون عقاب شجعت وريثه بشار على ارتكاب المزيد منها في لبنان وفي سورية وفي العراق..

وهكذا فالتجربة الوحيدة ((الناجحة)) للتوريث في سورية انتهت الى تدمير سورية وتهجير 50 % من شعبها ودمار طال مدنها وقراها ومصالحها ومصانعها ومزارعها وبيوتها ومدارسها ومستشفياتها وجامعاتها ومحلات ابنائها.. بما تحتاج الى 300 مليار دولار لاعادة بنائها (تقدير قبل عام 2017) ومن يعيد الى الحياة نصف مليون قتيل، ويشفي أكثر من مليون جريح ومعاق ويحرر مئات آلاف المفقودين؟ ومن يحرر سورية في تجربة التوريث الناجحة من احتلالات لم يشهدها بلد في التاريخ بدءاً من الاحتلال الصهيوني؟

أما التجارب العربية الأخرى (ونحن لا نتحدث عن تجربة كيم ايل سونغ بتوريث ابنه في كوريا الشمالية، ولا عن توريث الحفيد).. كما في مصر وليبيا واليمن.. فنظرة واحدة الى مآل الأمور في البلدان الثلاثة منذ العام 2011 حتى الآن كافية لشرح المصير الاسود لكل محاولات التوريث هذه.. والناجي الوحيد من الذين سعوا لتوريث احد أولادهم وهو حسني مبارك باق على قيد الحياة.. ربما كي يأكل الحسرة وتلتهمه وزوجه يومياً على ما كانا فيه وأصبحا عليه، اما علي عبدالله صالح ومعمر القذافي فقد قتلا وهما يحاولان الهرب كل على طريقته خارج مقر حكمه، بينما يتوزع مصير أولادهم بين قتل ومنفى ولجوء وسجن..

بعد هذا

هل يسعى ميشال عون لتوريث صهره الصغير رئاسة الجمهورية، كما أورثه رئاسة التيار الوطني الحر؟ ليس في هذا التساؤل أي تعد على مسار الأمور في لبنان، فالشخصنة التي يعيشها معظم قادة الطوائف والمذاهب في لبنان تجعل التقليد دائماً أهم من التصنيع او طرح البدائل، او اعتماد الكفاءة قبل الولاء او النسب، طالما ان نجاح التوريث مرتبط بعاملين:

-العامل الأول هو مزاج ورغبة وجموح صاحب الملك أي الحزب او التيار او الحركة او العقار او الأسهم او الدكان.

-العامل الثاني هو ضمان مسار قطعان الاغنام والأبقار الى حيث يريد الراعي، والاغنام يمكن ان تكون حزبية او حركية او تيارية او بلدية او اختيارية او جمعيات حقيقية او وهمية، او اصحاب معالٍ او سيادة او سعادة او أساتذة..

نعود الى لبنان

أما وان معركة رئاسة الجمهورية فتحت وكان صهر الرئيس الحالي الصغير هو الذي افتتحها، فإن الممارسة الديموقراطية الأصيلة تقضي باعتماد قاعدة جوهرية وهي المساواة بالفرص التي تعني الاعلام والادارة، والمعلومات والاتصالات بين الصهر الصغير وبين كل المرشحين المفترضين للرئاسة العتيدة.

جبران باسيل حصل على فرصة لم يحصل عليها أي مرشح آخر عندما وضع قانوناً للانتخاب وفّر له اولاً فرصة الحصول على مقعد متعذر للنيابة عن البترون، بعد ان رسب في انتخابين سابقين في الحصول على مقعد في مسقط رأسه..

قانون الانتخاب الذي وضعه وزير خارجية بمعزل عن أي دور لوزير الداخلية، مرّ جزءاً من اتفاق سياسي وغير سياسي بين باسيل ورئيس الحكومة السابق – الحالي سعد الحريري.

صار لجبران وتياره أغلبية بين النواب المسيحيين وفي الهيئة العامة لمجلس النواب الناخبة للرئيس عادة بالاتفاق مع حلفائه.

صحيح ان الخصم الرئيسي لتيار عون – باسيل أي ((القوات اللبنانية)) حققت رقماً كبيراً في عدد المقاعد التي حصلت عليها (15 مقعداً)، بعد تخلي السادس عشر عن انتسابه لكتلة الجمهورية القوية، لكن باسيل استطاع بالقانون الجديد ان يشكل كتلة هي الأكبر في عدد النواب في المجلس الحالي.

واذا ما قيل عن مجلس 2018 انه لن ينتخب الرئيس المقبل في 2022، نعيده الى أول السطر بأن معركة الرئاسة فتحت باكراً وان مفتتحها هو باسيل وبمباركة الرئيس الحالي، وعلى القارىء ان يفسر معنى هذا الافتتاح المبكر.

وضع باسيل قانون الانتخاب في غياب كل المرشحين المؤهلين للرئاسة من جان عبيد الى رياض سلامة، ومن جوزيف عون الى سمير جعجع، ومن سليمان فرنجية الى مروان شربل.. أي ان أحداً من المرشحين لم يكن له رأي في وصول أي من النواب الحاليين الى مكانهم في الهيئة الناخبة للرئيس المقبل.. بينما بدا ان القانون الذي كتبه باسيل بمشاركة مع حلفاء له رسم وصول نواب دورهم الأهم هو انتخاب الرئيس القادم!

صحيح ان رؤساء لبنان عبر الزمان جاؤوا بقرارات عربية وأجنبية الى مراكزهم، الا ما ندر، لكن الفارق سيكون كبيراً بين مرشح مغمور مثلاً تحاول أية قوة عربية او أجنبية فرضه كرئيس، وبين أي مرشح نائب او وزير سابق له حيثية شعبية او نيابية او سياسية او دعم حزبي او ريادة تاريخية، او حاجة مصيرية للبلد.

الفرصة الثانية التي أتيحت لباسيل ولم تتح لغيره في حال اجراء انتخابات رئاسية مبكرة او بعد انتهاء فترة رئاسة ميشال عون هي موقعه في السلطة التنفيذية، وهو يكاد يقوم بمقام رئيسيها أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، صحيح ان باسيل موصوف بالنشاط والحيوية وانكبابه على دراسة الملفات التي يحملها معه الى اجتماعاته، وخصوصاً الى مجلس الوزراء، ومبادراته التي تفاجىء آخرين في هذه السلطة، وخصوصاً الكسالى منهم، الا ان طابع هذه السمة انها تصب في مصلحته شخصياً في السياسة، بينما يبدو كل خصومه الذين يمكن ان يخرج من بينهم اسم رئيس لبنان المقبل في زوايا الانشغال كل في موقعه سواء النيابي او العسكري او المالي او التنظيمي وبعضهم يغيب عن الصورة لفترة ثم يظهر بين الحين والآخر في مناسبة ما.. وباسيل حاضر ناضر، اذا وافق تعقد جلسة لمجلس الوزراء، واذا رفض لا تعقد الحكومة أي اجتماع، يسافر مع الوفد الذي يريد، يتصل بالعالم كله رسمياً، يُشعر مسؤوليه بأنه المرجع الأول والآخر، وان كلمته لا تصير اثنين في لبنان، فيسترجع العالم كلام عمه عندما رفض رئيس الحكومة المكلف اعطاءه وزارة الطاقة (اذا لم يوّزر جبران عمرها ما تكون حكومة) والعالم كله بات يدرك ان أي أمر سيبحثه مع رئيس الجمهورية ستتم احالة البت فيه الى جبران، وان أي شأن يبحثه سعد الحريري مع عون سيجد طريق الحسم فيه عند جبران.

اذن

يملك جبران عماً هو بمثابة والده، وهو رئيس جمهورية، بينما يحرم بقية المرشحين من هذه الفرصة، وبعضهم في مثل سن ميشال عون نفسه، وليس بين المرشحين المحتملين من هو في سن جبران نفسه.

ويملك جبران فرصة أخرى كونه الوحيد الذي يستطيع من موقعه الآن في الحكومة كجزء من اتفاق عقده رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري جاء بموجبه العم والصهر الى موقعهما ان يتابع تنفيذ هذا الاتفاق بوعد بأن يظل سعد الحريري رئيساً للحكومة اذا جاء جبران رئيساً للجمهورية، ومَن مِن المرشحين يستطيع ان يقدم هذا الوعد لسعد الحريري، ولكل من المرشحين المفترضين للرئاسة الأولى مرشح او أكثر للرئاسة الثالثة؟

من ضمن الفرص التي يتقدم بها جبران باسيل عن الآخرين، انه يملك ان يجمع تأييد أميركا لترشيحه كما تأييد حزب الله، فمن من المرشحين يملك ذلك؟

الوحيدان المؤهلان من المرشحين المفترضين للحصول على تأييد أميركي هما قائد الجيش جوزيف عون ولأسباب مرتبطة بدور حالي ومنتظر للمؤسسة العسكرية التي يرأسها، فضلاً عن تجارب حكم قائد الجيش بدأت عام 1958، وشهدت وصول أربعة من قادة الجيش الى الرئاسة.

والثاني هو رياض سلامة وأيضاً بسبب دوره المؤسسي في مصرف لبنان، وقد سبقه الى الرئاسة حاكم آخر هو الياس سركيس، وكان حاكما المصرف قبله ميشال الخوري وادمون نعيم مرشحين جديين للرئاسة.

وفرصة جبران ان أميركا وحزب الله قد يتقاطعان في تأييده للرئاسة، بينما هما مختلفان حكماً حول دعم قائد الجيش فحزب الله، يرى ان قائد الجيش الأمثل للرئاسة كان اميل لحود، وتجربة الحزب مع ميشال سليمان علمته ـألا يسلم لقائد جيش آخر إلا اذا كان من طبيعة لحود، وتأييده لميشال عون هي ضربة معلم لأنه شكل به حماية مسيحية واسعة لم يكن لا لحود ولا سليمان بقادرين عليها.. وكذلك جوزيف عون.

بقية المرشحين المفترضين للرئاسة يعتمدون على تأييد محلي، وبعض التأييد العربي، والسعودي، خصوصاً، لكن الاهتمام السعودي بلبنان هبط الى الحد الأدنى، وهذا ما يجعل حظوظ أصدقاء السعودية من المرشحين تتراجع مع كل تراجع سعودي عن لبنان.

يبقى سليمان فرنجية الذي لا يعرف ولا يعرفه الا بشار الاسد في سورية، وان كان يلقى كل احترام وحب من جانب حزب الله، وايران، ولأسباب لا علاقة لها بصداقته (أي فرنجية ببشار).

أمام كل هذه الفرص الكبيرة لجبران باسيل، يملك الآخرون كلهم فرصة هي الأهم، وهي ان ليس بينهم من هو متسرع مثل جبران، متهور مثله، مستفز كما هو، ينفرد بالسباق وحيداً في ميادينه حتى ليصل الى الاستحقاق منهكاً مستهلكاً، وكلما نفد صبره ساعياً للرئاسة نفد عنده الوقود فتتعطل عربته في الطريق سواء في منتصفه او قبل عبارة الوصول.

حسن صبرا

الوسوم