بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ/ جنبلاط وحزب الله يجهضان فتنة الجبل! بقلم: حسن صبرا

من هنا نبدأ/ جنبلاط وحزب الله يجهضان فتنة الجبل! بقلم: حسن صبرا

مجلة الشراع 5 تموز 2019 العدد 1907

 

لم تمضِ 24 ساعة على بث وبخ ما نسب الى وليد جنبلاط في جلسة مغلقة كما زعم، وفيها كم من المواقف العنيفة منه ضد دول الخليج العربي وسعد الحريري، وحتى ضد ابنه تيمور حتى اندلعت معركة تطويع وتركيع الرجل، ليبدو وكأن التلفيق جاء مقدمة لما حصل في الجبل بسبب زيارة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لهذه المنطقة.. هل يذكركم هذا السيناريو بالحملة على رفيق الحريري قبل اغتياله في 14- 2- 2005؟

ولا يمكن لجنبلاط ان يكون ساذجاً حتى لا يدرك مسبقاً ان هناك أمراً ما يرتب ضده.. لم يبدأ بتصريحات باسيل الذي يمكن ان يكون سليمان فرنجية قد قصده بوصفه فتنة متنقلة، تحدث فيها باسيل عن بطولات سوق الغرب خلال المعارك التي واجه فيها الاشتراكيون وكل القوى الوطنية يومها اللواء الثامن بقيادة عمه ميشال عون على وقع قذائف السفينة الحربية الأميركية نيوجرسي داعمة لعون ومن خلفه.. كأنه استحضار غريب لصدام اميركي تجري التهيئة له عبر مواجهة مع ايران هذه المرة.

ولا يمكن ان يكون جنبلاط مستسلماً في السياسة كما هو سعد الحريري أمام جبران باسيل، حتى يمرر كل هذا من دون رد فعل هو من طبيعة الصراعات التاريخية في الجبل والحالية قبل 1975 وخلال 30 سنة بعدها.. وفصولها التي تظهر كنبت وشوك ويباس كلما طرأ على الساحة سياسي ليبدأ في الفهم كما بدأ من سبقه ممن رحلوا او غيبوا، من دون ان يستفيد من دروسهم وتجاربهم ومراجعاتهم التاريخية.

لا يريد وليد جنبلاط المواجهة.. لكنه لا يمكن له ان يستسلم، خصوصاً وان الجبل الدرزي كله معبأ ضد ثقافة الحرب التي يستعيد جبران باسيل عباراتها سواء منذ اعتبر سابقاً ان حرب الجبل لم تنتهِ، الى ان اعتبر بطولات عمه في سوق الغرب وضد جنبلاط تحديداً هي جواز عبوره الطائفي لاستنهاض مسيحي تحت زعم الرئيس القوي، ودائماً بحثاً عن ((حقوق)) المسيحيين.

ومن قال ان وليد جنبلاط ما كان يوماً ضماناً للدروز (وفق المعايير السائدة في لبنان) والمفارقة الساخرة ان جبران باسيل ((يبحث)) عن استعادة حقوق الموارنة الذين بين ايديهم رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش ومصرف لبنان والمجلس الأعلى للقضاء ووو.. بينما يسعى جنبلاط منذ العام 1989 للحصول المستحيل على مجلس شيوخ للدروز.. والمعادلة الكيانية تنص على ان أقصى طموح للدروز هي عدة وزارات (ثلاث في هذه الحكومة اثنتان لجنبلاط وواحدة لباسيل نفسه).

وباسيل مشى على خط عمه في معركته ((لاستعادة)) مقعد ماروني في جزين في وجه نبيه بري، وها هو يحصل على مقعد درزي في قلب الشوف الجنبلاطي وزيراً للمهجرين على مرمى حجر من دار المختارة..

وما يجمع جنبلاط مع باسيل الآن على كثرة الافتراقات هو ان الاثنين لم يتركا لأنفسيهما صاحباً خلال فترة وجيزة.. مع الفارق بأن جنبلاط سياسي ماهر يطوّع السياسة ويتحكم بها وفق مصالحه، بينما يخضع باسيل للسياسة حتى تأكله وهو يظن نفسه يبلعها او يهضمها او يسترجعها.

جنبلاط الآن مختلف مع الحريري.

جنبلاط اليوم في حالة جفاء مع حزب الله.

جنبلاط ليس على وفاق مع عون وباسيل.

وجنبلاط يقيم علاقة مبتسرة مع القوات.

أما باسيل فهو على علاقة سيئة مع حلفائه قبل خصومه والوحيد الذي يقيم معه باسيل علاقة يصنعها هو من أصل صناعة عمه ويعيد تدويرها هو باسيل نفسه.

في حزب الله كارهون له.. ومضطرون على تحمله.

في تيار المستقبل مبغضون له، ويبتعدون عن معلمهم حتى  لا يحرجونه.

ولا تسألوا عن المسيحيين، فمن حالفوه لايصال عمه الى الرئاسة هم أعدى أعدائه، وكل معارك باسيل مع القوى السياسية في لبنان تؤشر الى انه يمد لسانه لجعجع نكاية به منازعاً إياه زعامة المسيحيين لكنه نجح في جمع جعجع وفرنجية كإحدى أعاجيب السياسة المارونية في لبنان.

انهما بشار وماهر

غير ان ثنائية الأسماء في الصراع لا تكتمل من دون الانطلاق من مبدأ ان جنبلاط يعايش قرار بشار وماهر الاسد بالتخلص منه.. بأي طريقة.

كان بشار قال للافروف عندما أراد حمل جنبلاط لزيارة دمشق انه مستعد لاستقبال تيمور.

صار بشار حاسماً بأن لا يدخل داره أي من نسل جنبلاط.

كان ماهر يقول ان جنبلاط رجل ميت.

صار ماهر يعتبر ان الحي الدرزي الوحيد في لبنان هو كل من هو ضد جنبلاط ويعمل ضده.

هل فهمتم الآن فورة بقايا الدروز للتطاول على جنبلاط؟ هل أدركتم معنى ان باسيل يخضع للسياسة حتى تأكله متنعماً بمعركة بشار وماهر الاسد ضد جنبلاط؟

ألا تعتقدون بأن باسيل بات يرى ان تحجيم جنبلاط في الجبل هو عنوان مسيحي في الصراع حول من هو الماروني الأقوى الذي يقنع بشار وماهر بأنه من يستطيع الانتقام من جنبلاط؟.. فسليمان فرنجية هو الهاجس الحاضر الناضر الغائب الصامت الذي يؤرق باسيل وليس أحداً غيره.

باسيل لا ينسى ان جنبلاط كان يفضل سليمان فرنجية رئيساً خلفاً لميشال سليمان، لأن فرنجية في رأيه خصم شريف، صادق في صداقاته وحتى في خصوماته، لا ينقلب ولا يغدر.

غير ان هذا كله هو لعب في الوقت بدل الضائع، او هي تسالي رمضان يتسابق عليها الجائعون بعد الافطار.. والسذج وحدهم من يظن ان الايمان في رمضان هو غيره في بقية أشهر السنة كما الصلاة خلاله كما التقوى.. كذلك السياسة ليست موسمية، وليست كرسي حكم فقط.. ومن يقرأ جيداً كيف ان مواقع حزب الله الرسمية هي الأكثر تواضعاً وحضوراً لم تمنعه من ان يكون هو الأقوى في لبنان وفي المنطقة يسخر من هذا التقاتل على الكرسي او هذه التضحية بمصالح الناس من أجلها.. ويظهر أمام الملأ كأنه ضد هذا ومع ذاك لكنه يحمل هماً آخر يعبر عنه في هذه السياسة.. لاحظوا.

حزب الله يمنع الانفجارات

ثلاث مرات مشهودات منع فيها حزب الله انفجار الأوضاع في لبنان شمالاً وجبلاً..

المرة الأولى حين كان المجرم ميشال سماحة على وشك انهاء مدة مسجونيته المسرحية الصادرة عن المحكمة العسكرية، على الرغم من اعترافه بأنه مكلف من رئيس استخبارات بشار الأسد علي المملوك بإحداث فتنة متنقلة في كل الشمال اللبناني بين المسلمين والمسيحيين، وبين المسلمين السنة والعلويين وبين المسلمين السنة أنفسهم.

كان الوضع في الشمال السني خصوصاً، على وشك التفلت احتجاجاً على هذا الحكم الهزلي ضد مجرم معترف بجرائمه، تدخل حزب الله، أعيدت محاكمة سماحة فصدر حكم بمضاعفة العقوبة، وهو ما زال قابعاً في سجنه.. ولا صحة لضغوطات سعد الحريري او غيره، فقرار مثل هذا لا يقدر عليه الا حزب الله!

ولماذا الحزب؟

لأن الوضع المستقر للبنان هو مصلحة شعبية سياسية علنية لحزب الله، فلبنان كله تحت ادارة الحزب، فلماذا التشويش عليه وعمل فتن داخل لبنان.. حتى لو كان بشار الاسد خلف هذه الفتنة او علي المملوك شخصياً، لذا احتوى حزب الله مشروع فتنة انطلق الأمر بها من دمشق وتولت حارة حريك اطفاءها من دون ان ننسى ان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد كان أول من زار منزل سماحة في الأشرفية حين داهمته شعبة المعلومات التي كان العميد وسام الحسن كشف هذا المخطط، وأطلق رعد مواقف داعمة لسماحة.

المرة الثانية، حين أطلق وئام وهاب تصريحات بذيئة ومسفة ضد الرئيس المظلوم رفيق الحريري.. بادر حزب الله من خلال المعاون السياسي لحزب الله الحاج حسين خليل للاتصال بوهاب طالباً منه الاعتذار عما بدر منه.. انصاع وئام لطلب خليل واعتذر صاغراً.

وعندما علم رئيس لجنة الارتباط والأمن في حزب الله الحاج وفيق صفا بأن شعبة المعلومات أرسلت محمولات الى بلدة وهاب الجاهلية لاعتقاله، بأمر من النائب العام القاضي سمير حمود.. اتصل صفا باللواء عماد عثمان والقاضي سمير حمود لوقف هذه الحملة العسكرية، فأبلغه الاثنان ان الأمر حكومي وان قرار سعد الحريري ومستشاريه يهدف الى تأديب وهاب على هذا التصريح وما قاله ويقوله ضد هؤلاء جميعاً.

اتصل صفا بالحريري طالباً وقف هذا الاجراء المهدد بفتنة في الجبل ثم طلب من وهاب مغادرة الجاهلية فوراً وهكذا.

انتهت بوادر الفتنة الى احتواء حزب الله للجميع ومنع انفجارها.

الفتنة الثالثة في الشحار الغربي تحت ظلال زيارة جبران باسيل الى الجبل وتصريحاته النارية في قراه.. حيث سارع الوزير محمود قماطي لزيارة منزل طلال ارسلان في خلدة مستدعياً وئام وهاب والوزير صالح الغريب (قتل مرافقاه خلال الفتنة) ليعلن تضامنه معهم.. محتوياً تحركات متوقعة كرد فعل على ما حدث واضعاً الجميع تحت عباءة الحزب لمنع تفاقم الفتنة.

في المرات الثلاث يظهر حزب الله حرصه الشديد على حلفائه لكنه يمسك بالأمر كمن يمسك الجمر بين يديه لوأد الفتنة.

اقرأوا جيداً موقفه من قضية ميشال سماحة تدركون كيف يفكر حزب الله.

حسن صبرا

 

الوسوم