بيروت | Clouds 28.7 c

ايران تطلق نزار زكا رسالة ثقة بنصرالله ودعم لـ عون وباسيل / بقلم: السيد صادق الموسوي

ايران تطلق نزار زكا رسالة ثقة بنصرالله ودعم لـ عون وباسيل / بقلم: السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 21 حزيران 2019 العدد 1905

 

 موضوع اللبناني - الأميركي نزار زكّا هو موضوع أمني معقد للغاية حيث استفاد من جنسيته اللبنانية وانتمائه الإسلامي للوصول بسهولة إلى المواقع المهمة وتوطيد العلاقة مع المسؤولين في المستويات العليا في ايران مستغلاً اختصاصه في تكنولوجيا المعلومات والإتصالات وكونه الأمين العام للمنظمة العربية لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات، وهذا الإختصاص هو المدخل لكثير من المكائد في عالم المعلوماتية، وكم مرة حاول الصهاينة والأميركيون الوصول إلى معلومات عن قطاعات حيوية في ايران من خلال بيع أجهزة محمولة وهواتف تبدو متعارفاً عليها لكن في داخلها برامج خبيثة تتسرب إلى الأجهزة الموجودة في المراكز الحساسة أو أنها تسرّب المعلومات المخزنة فيها للأعداء، ولقد كشفت الاستخبارات الإيرانية محاولات عديدة وقامت بتعطيل مفاعليها، ومن الطبيعي أن الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية عندما توظف شخصاً للتجسس لصالحها فإنها تختاره محترفاً للغاية لكنه يبدو بريئاً لا تحوم حوله أية شبهة؛ ومتابعة السلطات الأميركية الحثيثة لأمر زكا لدليل على موقعه لديها، واعتقاله من قبل استخبارات حرس الثورة أيضاً يوحي بأنه كان يتجسس على نشاطاتها، ومن البديهي أن التعامل مع الجواسيس له تعقيداته الخاصة والتحقيقات معهم لها أسلوب غير متعارف مع المتهمين الآخرين.

 لقد بُذلت محاولات كثيرة منذ اليوم الأول لاعتقال نزار زكا وفي مستويات مختلفة لإطلاق سراحه، لكنها كانت كلها تبوء بالفشل، حتى كانت الرسالة من رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون إلى رئيس الجمهورية الإسلامية الشيخ حسن روحاني، وهنا كان لا بد من التعامل معها بدقة لعدة اعتبارات:

  1.   1- إن لبنان له أهمية كبيرة لدى الإيرانيين منذ قرون حيث أن كبار علماء الشيعة الذين توطنوا في إيران وكانوا من رموزها ومفاخرها هم من جبل عامل كالشيخ بهاء الدين العاملي المعروف عند الإيرانيين بـ ((الشيخ البهائي)) والشيخ علي الكركي العاملي المعروف بالمحقق الكركي والشهيد الأول الشيخ محمد بن مكي الجزيني العاملي والشهيد الثاني الشيخ زين الدين العاملي وآخرين لا يسع المكان لذكرهم، ولذلك فإن المسؤولين الإيرانيين الذين يدينون في ثقافتهم الدينية والمدارج العلمية التي بلغوها لنتاجات أولئك العلماء الأفذاذ ومنذ اليوم الأول لانتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني أولى المسؤولون الإيرانيون لبنان اهتماماً خاصاً فكانت الخطوة الأولى لمجلس قيادة الثورة الإسلامية هو تكليف لجنة مني ومن سماحة السيد محمد سجادي والشيخ محمد رضا رحمت من أعضاء مكتب الإمام الخميني بزيارة لبنان وإعداد تقرير عن الأوضاع فيه وتقرر فوراً تخصيص مبلغ مليونين ونصف المليون دولار لمساعدة القرى المحتاجة وخاصة في جنوب لبنان ( جبل عامل سابقاً )، وبعد ذلك تقرر أيضاً تكليفي تأسيس لجنة إمداد الإمام الخميني في لبنان بمبلغ أولي بلغ مائة ألف دولار وبعده قامت مؤسسة الشهيد أيضاً بإنشاء مكتب لها لرعاية أسر شهداء المقاومة اللبنانية والفلسطينية في مواجهة العدو الصهيوني حيث كنت لفترة مسؤولاً عن مؤسسة الشهيد في سوريا ولبنان، وما تزال ايران تقدم أموالاً كثيرة لمختلف الأطراف في لبنان وعلى رأسهم حزب الله وحركة ((أمل)) شعوراً منها بضرورة أداء الدين للبنان.
  2.   2- إن مختلف الطوائف في لبنان كانت موضع مساندة من قبل دول عربية، أما الشيعة فإنهم لم يجدوا أي سند لهم، إذ كان نظام شاه إيران وهي البلد الشيعي الوحيد وطيد العلاقة مع الأطراف المسيحية ككميل شمعون وبيار الجميل، وفي الحرب اللبنانية كانت إيران تدعم حتى بالسلاح والذخيرة هذه الأطراف ضد القوى الإسلامية والمجموعات الشيعية بدعوى أنها يسارية وشيوعية؛ فلما انتصرت الثورة الإسلامية شعرت الطائفة الشيعية في لبنان بأنها على غرار الطوائف اللبنانية الأخرى أصبح لها سند ودولة تعتني بشؤونهم، وهذا ما جعلهم ينطلقون في مطالبهم برفع الحرمان عنهم.
  3.  3- إن مجاورة لبنان لفلسطين المحتلة والتزام الجمهورية الإسلامية بالقضية الفلسطينية وإيمانها بوجوب محاربة الكيان الصهيوني الغاصب لأرض إسلامية ولأولى القبلتين جعل من هذا البلد مرتكزاً لتحرك ايران في مجابهة المحتلين الغاصبين، وقد أدى التلاحم اللبناني - الإيراني إلى سلسلة الهزائم الصهيونية وآخرها الإنسحاب شبه الكامل والذليل من لبنان عام 2006، وما يزال لبنان يستمد من الدعم الإيراني القوة في مواجهة الأطماع الصهيونية في أرضه ومياهه وثروته النفطية بالأخص، ولم يعُد أحد يقول بـ ((قوة لبنان في ضعفه)) بل إن قوة الردع لدى المقاومة الإسلامية عطلت واقع التفوق العسكري الصهيوني في المنطقة.
  4.  4- إن تحالف التيار الوطني بقيادة ميشال عون عام 2006 مع حزب الله من جهة والتكامل بين حركة ((أمل)) وحزب الله جعل القرار اللبناني بيد هذه الأكثرية وإن إيران تريد رفد هذه المجموعة بمزيد من عوامل القوة في وقت تبذل فيه الولايات المتحدة الأميركية والدول السائرة في فلكها كل جهودها لمحاصرة ايران والمتحالفين معها، وإن تلبية مطلب الرئيس ميشال عون أحد أركان هذا الحلف يصب في هذا الإتجاه.
  5.  5-إن الطلب الرسمي اللبناني من قبل رئيس الجمهورية بقي بحاجة لتزكية ودعم من السيد حسن نصرالله ليأخذ طريقه إلى التنفيذ، وهذه رسالة واضحة لمن يهمه الأمر أن كل أمر في لبنان يجب أن يمرّ من خلال الثنائي الشيعي وحزب الله بالأخص حتى توليه القيادة الإيرانية مجرد الإهتمام.
  6.   6- إن ميشال عون الذي تقلب في مواقف ومواقع متعددة ومتناقضة أيضاً له ارتباطات واسعة في المنطقة وفي الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما، وإن دعم موقفه في هذه المرحلة تعطيه زخماً يستفيد منه ويقوي موقع صهره وزير الخارجية جبران باسيل، وإن هذا الأمر يفيد مرحلياً حزب الله لتبادل الرسائل مع أطراف المنطقة والدول الأخرى وتخفيف الضغوط عليه ومعرفة كثير مما يُحاك في مراكز القرار، وإن تلبية طلبه المدعوم من قيادة حزب الله لها أثر كبير في الداخل اللبناني وعلى صعيد المنطقة وفي الإطار الدولي كذلك.
  7. 7- إن هذه الخطوة قد سبقتها خطوات لم تلفت الأنظار لكن وكالات الأنباء تناقلتها، فقبل أيام تم إطلاق سراح متهمين بتشكيل خلية تابعة لحزب الله في الإمارات العربية المتحدة وأعادتهم إلى لبنان، وقام أيضاً مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم قبل فترة بالسفر إلى الولايات المتحدة والتقى قاسم تاج الدين في سجنه هناك، وتاج الدين هو الذي اعتقلته السلطات المغربية بناء لطلب أميركي وسلمته للولايات المتحدة وهي تتهمه بأنه من أبرز ممولي حزب الله، ثم بعد ذلك جاء الكشف عن رسالة رسمية من رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني يطلب منه إطلاق سراح نزار زكّا.   ومن البديهي أن الذي كان يتحرك في الملفات الثلاثة واحد وهو اللواء عباس إبراهيم المدعوم من رئيس مجلس النواب والمؤيد من حزب الله قبل أن يكون ولاؤه الحقيقي لغيرهما بحسب التركيبة اللبنانية، ولا يمكن القول إنه لم يضع داعمه ومؤيده في صورة تحركاته ومراحلها بالتفصيل ولعله وضع رئيسه القانوني في الصورة بعد أن طوى مراحل كثيرة في مشواره الطويل، وهذا متداول كثيراً في لبنان بحكم الكوتا الطائفية والمرجعيات الرسمية لكل طائفة، واللواء عباس إبراهيم هو من أبناء الطائفة الشيعية ويتبوّأ منصباً هو من حصة الطائفة الشيعية ضمن تقاسم الحصص بناء على اتفاق الطائف، وبالمناسبة فهو أيضاً سيد من ذرية رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد سبق أن استلم ملفات عديدة بعضها متصل إتصالاً وثيقاً بحزب الله، ولولا رضى حزب الله عنه وحسن أدائه لأدواره في تلك الملفات لما جاءت التزكية من السيد حسن نصرالله للخطوات التي قام بها والتي أعلن المسؤولون الإيرانيون على أعلى المستويات أنه لو لم يكن ذلك الدعم من أمين عام حزب الله لم تأخذ رسالة الرئيس عون طريقها إلى التنفيذ.  وهذا الأمر هو أيضاً دعم قوي لشخص اللواء عباس إبراهيم الذي تبدو من تحركاته بين الفينة والأخرى أنه يتطلع إلى حضور قوي في الساحة السياسية بعد تركه منصبه في الأمن العام.
  8.   8- إن خطوة إطلاق متهم بالتجسس لصالح العدو اللدود لايران والمتخصص في تكنولوجيا المعلومات والموجود في أميركا وإقراره واعترافه بحسب الوثائق الموجودة لدى المراجع الأمنية والقضائية الإيرانية التي هددت بنشرها في حال لم يلتزم بما تعهد به قبل إطلاق سراحه، علماً أن اسمه لم يكن وارداً في اللائحة التي شملت العفو من آية الله خامنئي والتي أعلنت قبل أيام قليلة من إطلاق سراح زكّا، ومع وجود تجارب عديدة لدى الإيرانيين منذ إحتلال السفارة الأميركية في طهران لأساليب الاستخبارات الأميركية في دسّ عملاء على درجة عالية من الخبرة والإحتراف في مفاصل مختلفة للدولة للقيام بالأدوار المطلوبة منهم في الوقت المناسب، وما قيام عملاء باغتيال عدد من المتخصصين في القطاع النووي وحصول تهريب لملفات من المواقع النووية عبر عملاء في تنظيم مجاهدي خلق والإستناد إليها لإصدار إدانات أممية ووضع عقوبات قاسية، وحتى كشف الاستخبارات الإيرانية أدوات تجسس متطورة جداً في المنطقة المحيطة ببعض المواقع النووية ثمّ زرعها من خلال عملاء للاستخبارات الأميركية، إلاّ أوضح دليل على أن إطلاق سراح هذا العنصر المهم لا يتمّ بثمن بخس لمجرد الإحترام لرسالة رئيس الجمهورية اللبنانية والتي زكّاها أمين عام حزب الله، بل هناك قرائن بل أدلة على أن تشعبات الموضوع أكثر مما هو معلن بكثير، هو إعلان الناطقة بإسم البيت الأبيض الشكر لإيران عقب عملية الإطلاق في أوج الحملات والإتهامات من الرئيس الأميركي ضد الجمهورية الإسلامية وهذا لا يكون مصادفة.

 وفي الختام فإن الإيراني الذي أثبت مراراً أنه يجيد تسويق السجادة العجمية العتيقة بثمن غالٍ على أنها قطعة أثرية فلا يتوهمن أحد أن بإمكانه مهما بلغ درجة الذكاء لديه أن يخدعه، فوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف هو صاحب التجارب الطويلة في المسؤوليات التي أنيطت به في المطبخ الدولي أي ممثلية ايران في الأمم المتحدة لسنوات طويلة، وقبله عضويته في المفاوضات لانسحاب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية بعد القرار598، وآخرها الوقوف وحيداً أمام 5 وزراء خارجية محترفين للدول الكبرى ومعهم ألمانيا وأيضاً المسؤولة عن الشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي، واستطاع طوال أكثر من سنتين أن يُحضرهم مراراً إلى هذه الدولة وتلك ويبرم معهم أخيراً إتفاقاً أيده مجلس الأمن الدولي بالإجماع، ويرى الرئيس دونالد ترامب بأنه أسوأ اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة، ومن خلف هذا الرجل الرئيس حسن روحاني أمين عام مجلس الأمن الوطني لعقود، ومعاون المسؤول عن إدارة الحرب العراقية - الإيرانية وقيادة العمليات الراحل آية الله هاشمي رفسنجاني طوال8 سنوات، والمسؤول المباشر عن إجراء عدة مفاوضات دولية من جانب ايران بصفته الأمين العام لمجلس الأمن القومي، والممثل الشخصي لآية الله خامنئي في المجلس نفسه بعد عزله من قبل أحمدي نجاد من رئاسته، ومن خلفهما آية الله خامنئي نفسه المشهود له بأفضل الأداء طوال فترة قيادته مدة 30 عاماً بعد رحيل الإمام الخميني، ومن قبل ذلك كان لمدة 8 سنوات رئيساً للجمهورية الإسلامية، وقبل ذلك كان المسؤول عن ملف الحركات الإسلامية في العالم من قبل الإمام الخميني، وعيّنه الإمام في بدايات تأسيس حرس الثورة مشرفاً على المؤسسة الناشئة لتنظيم صفوفها، وكذلك تجربته طوال وجوده في وزارة الدفاع الوطني للجمهورية الإسلامية وقبل ذلك كله عضويته في مجلس قيادة الثورة التي عيّنها الإمام وهو في نوفل لوشاتو قبل انهيار نظام الشاه.

 والذي استمع لكلام آية الله خامنئي أثناء استقباله رئيس وزراء اليابان أثناء زيارته للجمهورية الإسلامية الإيرانية وتمعن فيها يكشف مدى حنكته في التعامل مع الأمور الشائكة المتعددة الأوجه حيث رحب أشد الترحيب بالضيف الذي كان التقاه من قبل برفقة والده حين كان وزيراً لخارجية اليابان قبل أكثر من 26 عاماً، لكنه وجّه أكبر إهانة للرئيس ترامب لأنه ((ليس أهلاً للتعامل بأي شكل من الأشكال ولذلك فهو رفض استلام أية رسالة من قبله أو توجيه أية رسالة إليه كونه لا يملك مصداقية في الوفاء بالعهود)) كما ورد حرفياً، ((وقد أشرت أنا في مقالي السابق في مجلة ((الشراع)) إلى فقدان الإيرانيين الثقة كلياً بالرئيس ترامب خصوصاً لأنه ليس سويّاً في سلوكه وفي علاقاته حتى مع فريق عمله في البيت الأبيض وداخل أسرته، ونسمع كل يوم استقالة وعزل عضو من فريق عمله بسبب مزاجيته المتقلبة، وآخر إحصاء لعدد من استقالوا أو عُزلوا من أركان البيت الأبيض بلغ43 وهذا الأمر لم يحدث طوال 26 عاماً في تاريخ الولايات المتحدة))، فكيف يطلب من ايران التي أثبتت مراراً مصداقيتها في الإلتزام بتعهداتها في الإتفاق النووي بتوكيد جميع الأعضاء الملتزمين بالإتفاق، ومسؤول وكالة الطاقة النووية التعامل مع هكذا شخص والثقة بوعوده؟.

  السيد صادق الموسوي

الوسوم