بيروت | Clouds 28.7 c

السودان والجزائر جيشا البلدين متهمان حتى يثبت العكس / بقلم محمد خليفة

السودان والجزائر جيشا البلدين متهمان حتى يثبت العكس / بقلم محمد خليفة

مجلة الشراع 31 ايار 2019 العدد 1903

 

*تورط الجيشين في الانقلابات والحروب الأهلية سابقاً يقلق الشعبين  

*ثورة السودان هي الأكمل وانتصارها سيلهم شعوباً كثيرة

 

أنهت الثورة السودانية الشعبية الحالية شهرها الخامس, كما أنهت شقيقتها الجزائرية شهرها الثالث, وكلتاهما أكثر تجذراً واصراراً على مطالبهما, ورفضاً للعودة الى الماضي. وكلتاهما تواجهان محاولات افشالهما من دون قمع أو عنف مادي ظاهر, وتواجهان تدخلاً خارجياً لغير صالح أي منهما.  

فما هي طبيعة العلاقة الموضوعية بين الثورتين..؟

يشخص المحللون والمراقبون وجود علاقة تأثير متبادل بين الثورتين. فكلاهما انطلقتا في فترة واحدة.

 الأولى في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018 , والثانية في 22 شباط/ فبراير 2019, أي ان شهرين فاصلين بينهما.

 ويلاحظ أيضاً أن كلا الثورتين حملت جينات ومؤثرات موجة ((الربيع العربي)) التي سبقتها وكلتاهما استوعبتا دروس فشلها وتجاربها المريرة. فالثورة السودانية استلهمت واستوعبت تجارب الموجة الأولى من الربيع العربي عام 2011 وأسباب فشلها أمام الثورات المضادة.

 والثورة الجزائرية استلهمت تلك الثورات العربية من جارتها القريبة تونس وحتى الثورة السورية المستمرة الى اليوم, كما استلهمت التجربة السودانية الحالية, واقتدت بها في الاعتصام بالشارع والتمترس به.

وكلا الثورتين اتسمتا بالسلمية والانضباط وحسن التنظيم, وتجنبتا الصدام مع قوى الأمن وأجهزة النظام, وتحاشتا اللجوء للعنف والتخريب على نحو  ما حدث في ثورات ليبيا واليمن وسورية قبل ثماني سنوات, هذا رغم أن الحراك السوداني تعرض منذ اليوم الأول وحتى اليوم لاستفزازات منظمة دبرتها قوى السلطة أدت لقتل نحو سبعين شخصاً, وجرح أكثر من 300.    

وفي المحصلة يسجل لحركة الثورة الشعبية في السودان حتى الآن تقدمها وتفوقها على مثيلتها في الجزائر في كل شيء. فالأولى تقودها وتنظمها منذ البداية قوى وأحزاب ونقابات ومنظمات سياسية وعسكرية عريقة, يتجاوز عددها المئات. على عكس الثانية التي تفتقر لهذه الميزة, وتعتبر مدينة لقوى المجتمع المدني وعفوية تنظيمها من قبل فئات شبابية دون الثلاثين تفتقر للتجارب والخبرات السياسية والحزبية والثورية, وعاشت على ذكريات القمع الدموي في البلدين والحروب الأهلية المرعبة, فضلاً عن الحروب التي خلفتها ثورات الربيع العربي الأولى في ليبيا واليمن وسورية.

ويلاحظ أيضاً أن الحراك الحالي في الجزائر يقتفي خطى نظيره السوداني ويشاطره الحذر وعدم الاطمئنان لمواقف المؤسسة العسكرية المعلنة هنا وهناك, ويطالب مثله بإنهاء دور العسكر في حكم البلاد وترك السياسة للمدنيين, لأن السوابق التاريخية لكل الجيوش العربية في علاقتها بالسلطة سلبية, وتؤكد أنها تقف في قفص الاتهام بسبب تورطها في الانقلابات, وخصوصاً في السودان حيث جرت خمسة انقلابات أو محاولات انقلابية على الأقل بعد استقلاله. كما شهدت الجزائر انقلابين على الأقل منذ الاستقلال, وتورط الجيشان في حروب أهلية في البلدين, وعليه فبعض الجيوش العربية متهمة حتى يثبت العكس!.

خياران لا ثالث لهما

يسود الشارعين  السوداني والجزائري اعتقاد بأن الجيشين يرفضان ويقاومان التغيير الثوري العميق, ويسعيان لاحتواء الثورة, والالتفاف على مطالب الشعبين, تكراراً لما شهدته ثورات الربيع العربي السابقة.. خصوصاً في سورية التي فقدت جيشها الوطني منذ نحو خمسين عاماً وبنى نظام الأسد مكانه جيش المذهب العلوي الذي تحول الى جيش عائلة الاسد.

 ويلاحظ أن أقصى مطالب الحراك الجزائري الآن هو أن تقبل المؤسسة العسكرية اجراء حوار جدي معه كما قبلت نظيرتها السودانية بالتفاوض السلمي مع قوى الثورة, رغم أن الحوار الجاري بين ((قوى الحرية والتغيير)) والمجلس العسكري متعثر, ويكاد شهر العسل بينهما يقترب من نهايته, وثمة مؤشرات على احتمال الصدام المكشوف بين خيارين, لا ثالث لهما:

 الأول: هو العودة لحكم العسكر مع توسيع نسبي في هامش الحريات, وتحسين مشابه للعملية الديموقراطية والدستورية واحترام حقوق المواطن.

والثاني: هو التخلص نهائياً من أنظمة الحكم الشمولية والعسكرية العاجزة والفاسدة, ووضع الأسس لحكم ديموقراطي رشيد بقيادة مدنية, يقطع مع الماضي ويدخل الى المستقبل.

التجربة السودانية على هذا المستوى رائدة فعلاً, وأهميتها لا تقتصر على أنها تلهم الحراك الثوري في الجزائر, بل تمتد للعالم العربي الذي يراقبها ويتابعها ويتعلم منها إرادة الصمود في وجه الضغوط.

ولا شك أن الشعوب العربية التي أثخنتها ومزقتها تجارب الثورات في ليبيا واليمن وسورية تتطلع لانتصار الثورة السودانية لتبني عليه وتجدد نضالها من أجل الديموقراطية أسوة بكل الشعوب شرقاً وغرباً.

الثورة السودانية بدأت الأسبوع المنصرم تجربة الاضراب العام والعصيان المفتوح في مواجهة المجلس العسكري الذي يصر على الاحتفاظ برئاسة ((المجلس السيادي)) المتفق على إنشائه لادارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية التي ستمتد ثلاثة أعوام. وتكمن أهميتها في أنها ستحدد ملامح المستقبل ومعالمه.

ويرى مراقبون ومحللون مطلعون على تفاعلات الحراك الجزائري أن إرادة هذا لا تقل عن إرادة الحراك السوداني اصراراً على التمترس في الشارع حتى تستجيب المؤسسة العسكرية وقوى الأمر الواقع والثورة المضادة المختفية في خلايا ومفاصل الدولة العميقة, أو تلك المتسللة الى صفوف الثورة والقوى المحسوبة عليها.

ذلك لكي لا تلدغ الشعوب من جحر العسكر عشر مرات!         

       

الوسوم