بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ - من يقدر على جبران؟ / حسن صبرا

من هنا نبدأ - من يقدر على جبران؟ / حسن صبرا

مجلة الشراع 17 أيار 2019 العدد 1901

 

نحن لا نتبنى ما ورد في موقع يحمل اسم American Middel eastern net عن امكانية تخلي الرئيس ميشال عون عن الحكم لأسباب صحية قبل انتهاء فترته الرئاسية دستورياً (مرّ منها حتى الآن سنتان وسبعة أشهر، وبقي منها ثلاث سنوات وخمسة أشهر)، خصوصاً وان صحة الرئيس عون كانت عرضة لاشاعات متكررة.. حتى قبل ان يرشحه حزب الله للرئاسة الأولى خلال السنوات الأخيرة من عهد الرئيس ميشال سليمان.. لكن كثيرين ممن يتابعون حركة صهر الرئيس الصغير جبران باسيل يفسرونها بأنها تمهيد.. والبعض يفسرها بأنها استعجال لوراثته (بشكل دستوري)، حتى ان عون نفسه الذي نفى هذا الأمر في أحاديثه مع زوار، لم يقطع الطريق على وريثه في رئاسة التيار الوطني الحر، بأن من حقه العمل ليصل الى الرئاسة الأولى.

وباسيل نفسه يبدو شعلة نشاط متأججة متحركة في كل الاتجاهات، شرقاً وغرباً، عرباً وعجماً، يثير حزب الله وكل مقاوم عربي حين يتحدث عن حق اسرائيل في الوجود، ثم يطفىء هذه الثورة حين يتحدث عن القدس في مؤتمر عربي، يقرأ البعض في مرافقة عمه وابنته للقاء فلاديمير بوتين في موسكو تقديماً لنفسه مرشحاً للرئاسة، وتتحدث أوساطه عن إعجاب اميركي بحركته ونشاطه.

لكن هذا لا يلغي بل يكمل حركته الداخلية في تشعباتها التي يوظفها عند المتناقضات والمتناقضين للوصول الى ما يريد.. فهو يهاجم رئيس مجلس النواب نبيه بري ويصفه بالبلطجي، وهو يلجأ اليه ليبرر أمامه استدعاء أمن الدولة الى وزارة الخارجية للتحقيق مع موظفين يتهمهم بتسريب معلومات وتقارير دبلوماسية خارج وزارتهم، ومنهم من هو محسوب على بري، بعد ان اعتقد ان هذا الأمر يظهره قوياً أمام جمهور عمه المسيحي، الذي لا يكن وداً لرئيس السلطة التشريعية.

وزير من جماعته يهاجم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كمرشح جدي للرئاسة الأولى، ومطالبة بعضو عوني للمجلس المركزي في مصرف لبنان، وهندسة مالية لمصرف جديد يملكه محسوبون على تياره الحزبي.

الله يعلم ما بين جبران ورئيس الحكومة سعد الحريري، وما كان بين باسيل وابن عمته نادر، من اتفاقات في مختلف المواضيع وسنة الحريري لا يكنون وداً لمواقف جبران التي يعتبرونها تجاوزاً لصلاحيات رئيس الحكومة.

هل هذا التشعب في التحرك، ومسايرة الجميع في وقت يبدو فيه ان الجميع غاضب منه هو بهدف الرئاسة؟ وهل سيكون جبران متفرداً في قمة المرشحين لها؟

لربما هي لائحة مفترضة من اسماء منافسي جبران على الرئاسة، تضم سليمان فرنجية، وسمير جعجع وجان عبيد ورياض سلامة وقائد الجيش العماد جوزاف عون و..

يظل قائد الجيش هو الصامت الأكبر، المتعفف عن الحديث عن الرئاسة، والجميع يدرك عصاميته ومناقبيته والتزامه المسؤولية العسكرية من دون اقحام أي شأن آخر فيها.. لكن هذا لا يخرجه من كونه مرشحاً جدياً دائماً للرئاسة، خصوصاً مع ثقة وطنية بدوره.. اضافة الى كونه خياراً اميركياً جدياً دائماً قد تتقدم اعتبارات اعتماده للرئاسة وفق تطورات الوضع السياسي الاقليمي، وخصوصاً امكانية المواجهة بين اميركا وايران مباشرة او عبر اسرائيل - حزب الله.. والحاجة الى الإمساك بالبلاد وسط السخونة او الفوضى المفترضة..

جبران باسيل يعلم ان جان عبيد هو مرشح الرئيس نبيه بري الدائم كما هو مرشح وليد جنبلاط ومرشح البعض عند سعد الحريري، والأقرب الى قلب وعقل البطريرك بشارة الراعي.. والمفارقة ان الود شبه مفقود بين باسيل وكل داعمي عبيد للرئاسة.

وباسيل يعلم ان حظوظ رياض سلامة قوية في أوساط عدة بين اميركا وفرنسا، بين الهيئات الاقتصادية والمصارف، وان هذه الأوساط لا تعرف باسيل ولا تراه مقنعاً في اهتماماتها، لأن الوضع الاقتصادي في أي مسار يتجه اليه هو حرفة سلامة.. وهذا الوضع يشكو من قرارات وسلوكيات السياسيين ومن ضمنهم باسيل نفسه.

والمعادلة باتت ثابتة عند أصحاب القرار ومن حولهم وتقوم على تساؤل: أيهما أقوى للبنان؟ ان يظل سلامة حاكماً لمصرف لبنان او أن يكون في موقعه الرئاسي خبيراً وضابطاً للوضع المالي – المصرفي – الاقتصادي، ومديراً للأمرين معاً: رئاسة الجمهورية كأكثر رجالات لبنان صلة ومعرفة بالعالم اقتصادياً ومالياً بما يساعد لبنان على تجاوز أزماته والانطلاق نحو الاستقرار ثم التقدم.. او حاكماً لمصرف لبنان ضابطاً أميناً ومنقذاً للوضع الاقتصادي – المالي؟

أما سمير جعجع فإن باسيل يعلم ان أقصى ما قد يستطيعه قائد القوات اللبنانية هو منع وصول جبران الى الرئاسة، لأنه فوق كل الاعتبارات التنافسية وانعدام الكيمياء بين الرجلين، فإن جعجع يحمّل باسيل مسؤولية انهيار تفاهم معراب الذي يراه الحكيم تنازلاً قواتياً ما كان لعون ان يصل الى قصر بعبدا من دونه.. والذي كان جعجع يتصور بعده بأن عون سيرد له الجميل ويسهل طريقه شبه المستحيل الى الرئاسة (ومن قال ان سعد الحريري كان سيؤيد عون ليكون رئيساً؟ ألم يكن هذا أيضاً شبه مستحيل؟).

يبقى سليمان فرنجية، وهو المرشح الذي كان في ايران من يؤيد وصوله الى الرئاسة بديلاً عن عون الذي يدين بوجوده في مكانه الآن الى وفاء أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله لمن يقف معه.

باسيل يعمل حساباً كبيراً جداً لجدية ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة وحظوظه الكبيرة فيها.

أبرز سمات فرنجية هي صدقه ووفاؤه وصراحته وشهامته، وهذه الصفات معه تكاد تغطي حتى عند خصومه على علاقته الجدلية – الاستراتيجية الشخصية – العائلية مع أعدى أعداء لبنان بعد اسرائيل نظام آل الاسد في سورية.. والبعض يرى ان هذا التناقض هو احدى العقبات الأساسية لوصول فرنجية الى الرئاسة؟

وكم يود باسيل ان يستفيد من هاتين الحالتين في شخصية سليمان فرنجية، وهي صراحته وشهامته، من جهة وعلاقته مع آل الاسد كي يوظفهما ضد فرنجية ليبعده عن سباق الرئاسة.

على ان المشكلة بين جبران وفرنجية أعمق من هذا وأبعد.

عندما كان بشار قادراً على التحرك بحرية داخل سورية من دون الالتزام بتعليمات إيران وروسيا، كانت حظوظ فرنجية قوية في الوصول الى الرئاسة اللبنانية، أما بعد ان أصبح بشار تابعاً لأوامر ايرانية – روسية فقد تفسخت طريق وصول فرنجية الى الرئاسة، وشُق لها مسار آخر أشد تعقيداً، وأصعب سلوكاً.

مع تطابق المواقف عبر المصالح المشتركة لطهران وموسكو في سورية لا مشكلة لبشار في لبنان، ولا مشكلة لفرنجية في الافادة من هذا التطابق، اما ان يختلف بوتين مع قاسم سليماني في سورية، وان تتوسع المعارك بين البلدين وبالواسطة في العديد من مناطق سورية، خصوصاً في حماه وريف حلب وادلب.. فإن هذا يعني ان الذي لديه مشكلة في من يمسك بقرار بشار في دمشق.. سيكون لديه مشكلة أيضاً في لبنان.. وهذه ليست في صالح فرنجية.

صحيح ان وصول سليمان فرنجية الى الرئاسة في لبنان بعد سقوط الاسد في سورية (أي نزع صلاحياته الحالية السياسية والأمنية والقضائية والدستورية وفق أبرز التصورات المفترضة للحل السياسي للأزمة السورية) سيعتبر تعويضاً لبشار قد يرضي ايران.. الا ان هذا الأمر يستدعي وفاقاً روسياً – ايرانياً داخل سورية أولاً.. ثم ينعكس هذا التوافق على لبنان .. وحظوظ فرنجية ثانياً وماذا يبقى لفرنجية من حظوظ اذا سقط بشار او فقد صلاحيات حكمه، وصار هو بحاجة الى نجدة كي يظل أولاً بين العلويين الطامحين؟ طبعاً هو أمين عام حزب الله ووفاؤه، وبهذا نعود الى معادلة التوافق بين ايران وروسيا.. او الرهان على تأخير طبيعي او مقصود للحل في سورية، انتظاراً لتداعيات ما يسمى ((صفقة القرن)) حول فلسطين.. هذا ان أتت، او اذا ظل ترامب في السلطة، او ظل على حماسه لها، والحاجة الى ساحة مساومة فيها.. ومن غير الساحة السورية، بعد ان بات من المستحيل فتح ساحة لبنان من جديد، إلا اذا كان القرار إشعال وطننا من جديد.. وهذا ممكن في حالة واحدة، وهي إعادة الحياة الى حافظ الأسد  او تقمص بشار مواهب والده؟؟ وأين لبشار ذلك وهو بات والياً او محافظاً معيناً من قبل بوتين لحكم ما تبقى من سورية التي كانت.

لذا

يحاول باسيل تثبيت حضوره في موسكو وهو يعرف انها تمسك جيداً بنصيب كبير من القرار في سورية..

ولا يتوانى جبران عن تقديم أوراق اعتماده في كل مناسبة لإيران من خلال حزب الله الذي جاء مدح أحد مشايخه لجبران بما يذكر بمدح المشايخ الصوفيين لحاكم او رجل أعمال يقدم لهم مساعدة ما.

حتى هذه اللحظة.. يمكن لجبران الافادة من توافق ما بين طهران وموسكو في سورية فهناك على الأقل تقاطع مصالح بينهما مجبول بالدم على وقع العدوان الصهيوني المستمر على قواعد ايرانية تحت سمع وبصر ورضا وإحداثيات تقدمها موسكو مجاناً لإسرائيل.. فماذا اذا اختلف بوتين مع سليماني؟ لماذا نصادر الغد؟ لماذا نستبق الأمور.. ومثلنا اللبناني يقول: ((حي لا ينطر حي)).

حسن صبرا

 

 

 

الوسوم