بيروت | Clouds 28.7 c

عام على الانتخابات النيابية: زعامات مسنة وأحادية في كونفدرالية مقنعة.. و((طائف)) متعثر! كتب المحرر السياسي لـ((الشراع))

عام على الانتخابات النيابية: زعامات مسنة وأحادية في كونفدرالية مقنعة.. و((طائف)) متعثر!

كتب المحرر السياسي لـ((الشراع)) 

مجلة الشراع 10 ايار 2019 العدد 1900

 

*معدل الاعمار الوسطي لزعماء لبنان في السبعين بكل ما فيه من ايجابيات وسلبيات

*الأحادية متحكمة بالزعامات ولا فارق بين الرقم واحد ومن يليه في تراتبية ما يمثل

*مجلس النواب يختصر اليوم بعدد محدود من الزعماء اذا اتفقوا نعمة واذا اختلفوا نقمة

*اتباع الزعامات موظف وتابع سواء كان وزيراً او نائباً او مديراً عاماً

*العصبيات الطائفية والمذهبية يتم استحضارها كلما شعر الزعيم بأزمة

*الزعامات السائدة تحولت الى زعامات عائلية أين منها ما كان يحكى عن الاقطاع السياسي

لطالما ردد الرئيس سليم الحص بأن المشكلات في لبنان تتوالد, فما ان تحصل مشكلة ويتفرغ الجميع لمعالجتها تستجد مشكلة جديدة تستدعي منحها الأولوية في المعالجة, من دون حل المشكلة السابقة.. وعلى هذا المنوال تتوالى المشكلات والأزمات وتتراكم دون ايجاد حل لها, فلا الجديد منها يعالج والقديم يبقى على حاله في مسلسل لا نهاية لحلقاته.

توصيف الحص يبدو انه ينطبق على كل العهود والمراحل في لبنان, فلا حلول نوعية لمشكلات الكهرباء والنفايات والبيئة, ولا حلول لمشكلات العجز الفادح في الموازنة مع تفشي الفساد وهدر المال العام وغياب الرقابة والمساءلة والمحاسبة والأهم من كل ذلك لا حلول للمشاكل الاجتماعية المتفاقمة على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال. ولدى سؤال أي مسؤول أو وزير عن الواقع الحالي الصعب ومشكلاته فإنه يبادرك على الفور بالقول ان السبب يعود الى عهود سابقة.

والاسباب عديدة بالطبع, بعضها يتعلق بتركيبة لبنان وموقعه وتداخل عوامل الاقليم بواقعه, وبعضها داخلي بحت متصل بطبيعة نظامه السياسي وتوزيع السلطة فيه, قبل اتفاق الطائف وبعده رغم ان هذا الاتفاق لم يطبق منه إلا بما ضمن للطبقة السياسية السائدة دوام سيطرتها وتحكمها حتى الآن رغم مرور حوالى ثلاثة عقود على إقرار هذا الاتفاق.

والجانب الأهم في اتفاق الطائف يتعلق بالمواطنة وحق العيش تحت سلطة المعيار الوحيد فيها هو القانون ولا شيء غير القانون والانظمة المعمول بها, لتسود العنصريات الطائفية والمذهبية والمناطقية على حساب الوطنية اللبنانية غير الموجودة فعلياً إلا في خطب المسؤولين والزعامات على اختلافها والتي تستحضر المناسبات الدينية من أجل إبقاء العصبيات ولتصوير الآخر كفزاعة جاهزة للانقضاض, رغم ان ما يجمع بين اللبنانيين بحاضرهم وواقعهم ومستقبلهم مع أبنائهم أكبر وأهم.. الخ.

طائف متعثر او محكوم بمكاسب معظم الأفرقاء الذين يختارون منه ما يناسبهم ويهملون ما يضر بمصالحهم, وأبلغ تعبير عن ذلك هو صرف النظر عن إلغاء الطائفية السياسية, وتحويل قانون الانتخاب الذي يبنى كل شيء على اساس السلطة التي تنشأ عن الانتخابات الى قانون غب الطلب, بحيث يجري تبديله كل دورة من دورات الانتخابات, تبعاً لمقتضيات الربح والخسارة للاطراف المتحكمة بمسارات الأوضاع في لبنان, علما ان هذا القانون مسخ مؤخراً النسبية مع تفصيلها على قياس هذا الطرف او ذاك لتصبح عملية التعبير المستقلة خاضعة لكل المعايير المشوهة والشاذة وبعيدة كل البعد عن التمثيل الحقيقي للناس تحت عناوين حماية حقوق هذه الطائفة او تلك ومكاسب هذا المذهب او ذاك.

وبعد عام على الانتخابات النيابية التي قاطعها نصف الشعب اللبناني, فإن الآمال التي عقدت على المجلس النيابي الجديد في أعقاب التمديد للمجلس السابق ثلاث دورات متتالية, تبخرت ليس فحسب مع عودة مراكز القوى نفسها الى السلطة وإنما أيضاً مع دوران المجلس الجديد في الحلقة نفسها المفرغة السابقة نتيجة وجود او استمرار الزعامات نفسها التي صار ينطبق عليها المثل القائل ((الثابت الوحيد وسط المتغيرات)) في الداخل والخارج.

  كونفدرالية مقنعة

وواقع الحال ان ثمة عناوين بارزة وأساسية للمشهد اللبناني لا تتغير ولا تتبدل ليس فقط بالنسبة لمشكلاته, بل وأيضاً لواقعه السياسي المعقد والمتداخل ضمن سياق من عمليات محاصصة كبرى وتقاسم سلطة  تتناول كل صغيرة وكبيرة في البلاد, سواء جرى تزيين هذه المحاصصة بمفردات من نوع الديموقراطية التوافقية او حتى كونفدرالية الطوائف وهي كونفدرالية لا تشمل بالطبع الطوائف والمذاهب والملل اللبنانية بقدر ما تشمل زعماء او ما يسمى اليوم أمراء الطوائف, وهم لا ينحصرون بأمراء الميليشيات التي تصدرت المشهد اللبناني خلال الحرب السيئة الذكر بل تشمل اليوم كل من كان خارج المشهد مطلع التسعينيات من القرن الماضي سواء من خلال دخوله الى السجن او مغادرته الى المنفى, وكل ما جرى على هذا الصعيد هو انهم عادوا والتحقوا بالركب الذي فاتهم نتيجة عدم فهمم لطبيعة ما حصل من تبدلات لدى إقرار اتفاق الطائف.

وخلاصة القول في هذا المجال هو ان اول ما يمكن ان يقال عن قادة لبنان اليوم هو أنهم متقدمون في السن وثمة إحصاء أجري مؤخراً يشير الى ان المعدل الوسطي لعمر زعماء لبنان اليوم هو سبعين عاماً.

والتقدم في السن ليس عيباً او نقيصة، خصوصاً وأن له من المزايا والخصائص ومنها النضج والحكمة وعدم الارتجال وبعد النظر ما يعوض عن  تراجع الحيوية والدينامية في التحرك فضلاً عن التركيز, إلا انه تحول الى قاعدة بكل ما يترتب عنها من سلبيات، خصوصاً بما يتعلق باهتمامات الشباب وطموحاتهم وتطور التقنيات لا سيما في عوالم التواصل التي تشهد منذ سنوات ثورة حقيقية انشأت مفاهيم جديدة وخلقت مناخات تختلف تمام الاختلاف عن مراحل  سابقة عاشها قادة لبنان وبنوا أساسيات تفكيرهم على مرتكزات ما كان راسخاً في حينه.

ويكفي القول في هذا المجال ان شخصيتين مثل سليمان فرنجية وطلال ارسلان قيل الكثير عن عمرهما الفتي لدى توليهما الوزارة في مطلع التسعينيات من القرن الماضي, مستمران اليوم في زعامة انصارهما رغم تقدمهما في العمر مع الاشارة طبعاً الى ان فرنجية تخلى عن النيابة لصالح نجله طوني. ومعنى ذلك انه اذا كان  ما يقال عن الشخصيتين المذكورتين وقد تقدما في العمر موضع سؤال اليوم فكيف هو الحال  مع الكثير ممن كان في ذلك الوقت في عمر أكبر ويستمر اليوم الى ما شاء الله.

أكثر من ذلك, فإن قادة لبنان وقد تحول معظمهم الى ((عواجيز)) بالتعبير الدارج وأكثرهم يعاني صحياً لا مكان في قاموس ادارتهم لشؤون زعاماتهم إلا الأحادية التي كانت وما زالت تتحكم بتعاطيهم مع الاتباع والانصار, فلا وجود داخل كل طرف من الاطراف التي يتزعمها هؤلاء لرقم واحد ورقم اثنين وثلاثة او تراتبية حقيقية وفعلية, بل ان هناك الرقم واحد ومن يليه هو الرقم عشرة ان لم نقل الرقم مائة, ولهذا السبب فإن مجلس النواب الحالي المكون من 128 نائباً يختصر بعدد من الزعماء لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. اذ يكفي ان يجتمع هؤلاء على أمر حتى تمشي مساراته وتستقيم الأوضاع في البلاد أما اذا اختلفوا فإن النتائج سرعان ما تظهر أزمات وخلافات وسجالات صاخبة يتولى الاتباع والأنصار الترويج لها والدفاع عنها طبقاً لما يتلاءم مع مصلحة الزعيم او ما رأى انه لمصلحته.

وهذه الأحادية جعلت من أي وزير أو نائب او حتى مدير عام في ادارات الدولة ومؤسساتها مجرد موظف يتلقى تعليماته من الأمير الآمر الناهي, واذا صودف ان أحدهم عمل لحسابه وتعدى دوره كجابي للزعيم فإن مصيره معروف سواء بالاقالة او العزل او الإبعاد عن جنة السلطة والأمثلة على ذلك كثيرة ولا تحصى.

حتى الإدلاء برأي او موقف يحتاج الى اذن مسبق والى سؤال صاحب الأمر عما يمكن ان يقوله او يذهب اليه من مواقف حتى قيل ان مجلس نواب العام 1972 الذي استمر حتى العام 1990 واتهم بأنه يمثل الاقطاع وما شابه كان يزخر بعدد من القامات النيابية التي باتت البلاد تفتقد اليوم مواقفها ورؤاها وعقولها التشريعية الخلاقة.

كما ان هذه الحادية حولت كل زعامة من الزعامات اللبنانية او معظمها حتى لا يظلم الجميع الى زعامات عائلية اين منها ما كان يحكى عن الاقطاعيات العائلية السابقة التي حكمت البلاد في قرون سابقة, وخصوصاً ما سمي الاقطاع السياسي, خصوصاً مع الثروات الطائلة التي تم ويتم جمعها من قبل أفراد عائلة الزعيم وحجم النفوذ والتأثير والسلطة التي يتمتع بها كل فرد من أفراد هذه العائلات.

  التقاسم وانعكاساته

وبالطبع فإن هناك قواعد مشتركة كثيرة تجمع بين زعماء  هذه الطبقة السياسية بالاضافة الى وجود اختلافات جوهرية في خطاب كل منهم, الا ان كل ذلك ينتهي لدى المس بإدارة البلد, فكل واحد منهم يريد حصته وبالطبع صار الأمر المؤكد ان لهذه الطبقة ما يحفزها على الحفاظ على الاستقرار لأن الهيكل اذا انهار لن يقع على رأس هذا الزعيم دون ذاك بل سيقع على رؤوس الجميع من دون استثناء.

وواقع الحال ان هذه المعادلة لها معنى واحد وهو ان زعماء لبنان اذا اتفقوا فإن ذلك ((نعمة)) للبلاد واذا اختلفوا فإن ذلك يشكل ((نقمة)) كما يقول المثل العامي.

وهذا ما ينطبق على التحالف بين أمراء السياسة وأمراء المال والاقتصاد في لبنان وهو تحالف لا يمكن لمصالح الجميع ان تتيسر من دون استمراره.

ولعل أفضل مثال على ذلك هو الاشارة الى عدد رجال الاعمال في مجلس النواب الجديد والذي تنامى بشكل لافت في الانتخابات الاخيرة للدلالة على وجود التحالف المشار اليه.

وعلى هذا المنوال, فإن الزعامات القائمة التي تحضر من تراه مناسباً لخلافتها، خصوصاً مع تقدمها في السن, لن يغيب ما تجسده من قواعد وأسس لا بل ونظام مكرس ومثبت حتى لو فاجأها الموت, وهذا الأمر هو قدر اللبنانيين حاضراً وفي المستقبل الا اذا قرروا تغيير هذه القواعد ولو بعد حين لا يبدو اليوم قريباً.

 

 

مجلس النواب الجديد: عام على انتخابه ولم يتغير شيء

الرئيس سليم الحص: توالد المشكلات

اتفاق الطائف: لم يطبق

انتخابات 2018: الابتعاد عن التمثيل الصحيح

الوسوم