بيروت | Clouds 28.7 c

القرآن الكريم: نص الكلمة التي ألقاها السيد صادق الموسوي في حفل تكريم حفاظ القرآن الكريم في مدينة مشهد

القرآن الكريم

نص الكلمة التي ألقاها السيد صادق الموسوي في حفل تكريم حفاظ القرآن الكريم في مدينة

مجلة الشراع 10 ايار 2019 العدد 1900

 

في ما يلي نص الكلمة التي ألقاها السيد صادق الموسوي في حفل تكريم حفاظ القرآن الكريم في مدينة مشهد.

بسم الله الرحمن الرحيم

إن القرآن الكريم الذي أنزله الله دفعة واحدة و((مُحكماً )) في ليلة القدر على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تتالى نزوله ((مفصّلاً)) وفي آيات وسوَر طوال 23 عاماً بمناسبات استلزمت نزول تلك الآيات والسور، وتبين هدا المسار الآية الكريمة ((كتاب أُحكمت آياته ثم فُصّلت من لدُن حكيم خبير- سورة هود 2)).

وقد اعتاد المسلمون أن ينتظروا بيان أمر الله من خلال نزول آية أو مجموعة آيات تبين لهم تكليفهم الشرعي، وقد نزلت آيات في أمور تبدو خاصة في النظرة الأولى كقوله تعالى: ((قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير - سورة المجادلة 1))، والمنافقون أيضاً كانوا يترصدون خائفين نزول آية أو سورة تفضح نواياهم الخبيثة ودسائسهم في ندواتهم الخاصة بهم ((يحذر المنافقون أن تُنزّل عليهم سورة تُنبّئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مُخرجٌ ما تحذرون - سورة التوبة 64)).

ولخصوصية نزول الآيات ((على مُكث)) استطاع المسلمون أن يحفظوا القرآن دونما تكلف، إضافة إلى حثّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين على تلاوة القرآن وختم المصحف في مختلف المناسبات كشهر رمضان مثلاً وبيان ثواب تلاوة كل سورة وحتى كل آية بل وتعداد فوائدها في الدنيا أيضاً، وقد خصص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشخاصاً لكتابة الآيات التي تنزل عليه حين نزولها وسمّاهم المسلمون بـ ((كتّاب الوحي))، وكان ترتيب السور والآيات يتمّ بأمر إلهي كما في صريح قول الله تعالى: ((لا تحرّك به لسانك لتَعجل به، إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه - سورة القيامة 16، 19))، وكان ممنوعاً عليه تبديل مكان الآيات إلاّ بتصريح إلهي واضح: ((وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون - سورة النحل 101))، وكان عليه انتظار نزول وحي الله سبحانه رغم تأخره في بعض الأحيان لحكمة من الله مما أفسح في المجال للكفار أحياناً للتشكيك في أصل نبوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءت الآية: ((وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتّبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون - سورة الرعد 39)) لتدحض الفرية وتبين الإلتزام التام للنبي صلى الله عليه وآله بالوحي الإلهي.

ونتيجة تواجد المسلمين في الغالب في المدينة المنورة وعلى مقربة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم كانوا يطّلعون على الآيات بُعيد نزولها ويسارعون إلى حفظها.

وهكذا دخل القرآن كله بتفصيله وترتيبه في ذاكرة عموم المسلمين، وتمت كتابته أيضاً بإشراف مباشر من النبي صلى الله عليه وآله عبر ((كتّاب الوحي)) حتى نزول آخر آية قبيل رحيله صلى الله عليه وآله وسلم، وبهذه الطريقة تعذر على الذين في قلوبهم زيغ أن يحرّفوا القرآن بعد وفاته في النصّ فاستعاضوا عنه بتحريف المعنى ومنع تداول وتدوين أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي هي تفسير لما أنزل الله عليه، إضافة إلى الإستناد إلى متشابهات الآيات وتبديل أماكن الناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمطلق والمقيّد، مما فتح المجال لبثّ الإختلاف شيئاً فشيئاً بين الأمة الإسلامية.

إن حفظ القرآن الكريم هو الضمان الأول لمنع حدوث تحريف لكلام الله سبحانه، وإن الحُفّاظ هم الأمناء على كتاب الله عزّ وجلّ، ومن هنا تأتي أهمية هذا الحفل في جوار مقام الإمام علي الرضا عليه السلام والذي هو أحد كُتّاب القرآن الكريم بخطه، ونسخة منه موجودة في متحف الروضة الرضوية، وأدعو إلى إقامة اجتماعات مشابهة في مختلف المدن في الجمهورية الإسلامية بل في البلاد الإسلامية كلها ليرى العالم اهتمام أتباع مذهب أهل البيت بكتاب الله الذي ((لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه))، خصوصاً أن الحُفّاظ أكثرهم يجيدون تلاوة القرآن وتجويد آياته بصوت جميل تجذب القلوب وتُطرب الأسماع، وتخشع لها النفوس وتُصغي إليه الألباب.

وإنه لشرف عظيم لي، وقبيل حلول شهر رمضان المبارك شهر ليلة القدر وليلة نزول القرآن جملة على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن أشارك الحُفّاظ مجلسهم المبارك وأستمع إلى تلاواتهم الجميلة وأصواتهم العذبة، خصوصاً أن بعض من يحفظون القرآن ويتلونه لا تتجاوز أعمارهم الـ 15 عاماً، وبعضهم ممن قُطعت أرجلهم أو أيديهم في الحرب المفروضة من قبل الإستكبار العالمي على الجمهورية الإسلامية الفتية بعد أشهر فقط على انتصار الثورة الإسلامية، وإن تجوال هؤلاء في المدن والبلاد لهو تذكير دائم بما كلف الجمهورية الإسلامية من ثمن باهظ جداً لوقوفها بوجه مؤامرات أعداء الإسلام الحنيف.

إنني لا أريد إطالة الكلام لأن الحفل هو للإحتفاء بحفظة القرآن والتالين لكتاب الله وتقديم جوائز للفائزين في الحفظ والتلاوة، ولي الشرف أيضاً أن أكون بين الذين يقدمون هذه الجوائز، وأسأل الله أن يجعلنا في الدنيا من حفظة كلامه والملتزمين بأحكامه وفي الآخرة ممن تنالهم شفاعة القرآن لأنه كما يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: ((شافعٌ مُشفّع))، وأن لا يجعلنا من الذين يشكوهم إلى الله رسول الله يوم الحشر بقوله: ((يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً - سورة الفرقان 30)).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السيد صادق الموسوي

 

الوسوم