بيروت | Clouds 28.7 c

الثقافة السياسية / بقلم الدكتورة سعاد ياسين – نائبة رئيس جمعية المحامين البحرينية

منطقة حرة

 

الثقافة السياسية / بقلم الدكتورة سعاد ياسين – نائبة رئيس جمعية المحامين  البحرينية

مجلة الشراع 3 ايار 2019 العدد 1899

الثقافة السياسية هي مجموعة من القيم والمبادئ التي تشكل الولاء والإنتماء والشرعية والمشاركة السياسية في الدولة، وتعني أيضاً منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب لعمل الحكومة، وبذلك يمكن القول أن الثقافة السياسية هي ذلك الفرع المنبثق عن الثقافة العامة وتمتاز باستمرارية تغيرها وتطورها لسلوك الأفراد الرسمية والشعبية تجاة النظام السياسي القائم على الحكم.

ويرتبط استقرار النظام الحاكم بتأثير الظروف والتغيرات التي تطرأ في العلاقات التي تربط المجتمع بنظام الدولة والمجتمعات الأخرى المرتبطة به، ويشترط في حياة الأفراد السياسية ضرورة الإحساس بالانتماء للنظام السياسي السائد، إذ يضفي ذلك على النظام شرعية زائدة، بالإضافة إلى الحفاظ على حياة النظام لمدة أطول، ومساعدته على تجاوز ما يواجهه من أزمات وصعاب، وينعكس ذلك على نواحي الإستقرار الإجتماعي والتنموي.

وتختلف الثقافات السياسية من مجتمع لآخر وفقاً لعدة معايير أهمها الإيديولوجية التي ترتبط بالعقيدة والوطنية والقومية التي تتكون لدى أفراد المجتمع من قيم وموروثات ومبادئ سياسية وإقتصادية ودينية تتبعها الجماعة، ولا تتقيد هذه القيم ببيئة جغرافية معينة فكم من أفراد يغادرون موطنهم الأصلي من دون أن تتغير مفاهيمهم وثقافاتهم السياسية.

فمعيار الوطنية وهو ما يربط الأفراد بوطنهم ومجتمعهم الأصلي إيماناً بنزعتهم الوطنية وحبهم للمجتمع الذي نشأوا فيه وتغلغلت فيه جذورهم وأصولهم من الآباء والأجداد ويتمثل ذلك في ارتباط الفرد بأرض أجداده ووطن آباءه حتى ولو كان مولوداً في دولة أخرى إلا أن ثقافته الوطنية لا تختلف كثيراً في الأجيال المهاجره وارتباط ثقافاتهم بدولة المهجر.

كما أن معيار القومية ذو أثر هام في الثقافة السياسية حيث تجسد ثقافة أمة أو اقليم بثقافة معينة ومحددة ومترابطة بين عدة قبائل أو دول فتتجسد في العوامل المادية والمعنوية المحيطة التي تربط ثقافة هذا الاقليم وتميزه عن غيره من الثقافات الأخرى ويتمثل ذلك فيما تأصل عن الثقافات العربية والثقافات الأوروبية أو الثقافات في دول شرق آسيا.

وفي المجتمعات التقليدية تعتبر بداية تكوين الدول في شكل قبائلي حيث إن الفكر والثقافة المجتمعية فيها ذات جوانب سياسية واجتماعية مترابطة ومقربة بين الأفراد والحاكم بشكل قوي وكبير مما يدعو إلى ممارسة السلطة وفق أسس أسرية مترابطة ونادراً ما يختلف النهج أو السلوك بينهم.

بينما في مجتمعات أخرى فقد تهتم الغالبية فيما يدورحول نطاق الحياة العامة والأفكار السياسية والحزبية المختلفة أو في التشكيلات الحكومية وقراراتها وما ينعكس عنها في علاقات الدولة بالدول الأخرى، الأمر الذي قد يؤدي إلى ثقافة التبعية من دون مشاركة فعالة حقيقية من الأفراد في صياغة القرارات المؤثرة في مصالحهم أو التي تهم شؤون حياتهم ويتمثل ذلك في المجتمعات الديكتاتورية.

إلا أن هناك الثقافة السياسية القائمة على أسس ديموقراطية ذات أواصر وروابط حقيقية وفعالة بين الأفراد والنظام الحاكم من خلال الدراية والمعرفة السياسية لإبداء الرأي وتقبل الرأي الآخر ووفقاً لاحتياجاتهم ومطالبهم الحياتية ومشاركتهم في صنع القرارات العامة من خلال إختيارهم لممثليهم في السلطة التشريعية والتي تنعكس بالدور الإيجابي في الحياة السياسية القائمة على المشاركة الوطنية.

مما يؤكد لنا أن ثبات الثقافات السياسية لدى أفراد المجتمع يستند على عدة عوامل من أهمها الإنتماء للوطن والإستقرار الإجتماعي والإقتصادي في الدولة والبعد عن الإضطرابات والإنقسامات الطائفية أو العنصرية وغياب العنف عن أفراد المجتمع وإيضاً عدم كثرة تغيير مكونات النظام السياسي للدولة وينعكس ذلك بشكل مباشر على كافة أطياف المواطنين الموجودين بالمجتمع من رضا المحكوم على الحاكم والإعتراف بحق الآخر والإستناد دائماً إلى الشرعية من خلال النظم والنصوص القانونية المعمول بها في الدولة.

الوسوم