بيروت | Clouds 28.7 c

فلسطين ـ بورما ـ نيوزلندا ـ سريلانكا، ثقافة قتل الإنسان / بقلم السيد صادق الموسوي

فلسطين ـ بورما ـ نيوزلندا ـ سريلانكا، ثقافة قتل الإنسان / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 26 نيسان 2019 العدد 1898

 

هزً العالم خبر عمليات التفجيرات الإنتحارية في سريلانكا في الأيام الماضية ومقتل المئات من المصلين في الكنائس في يوم عيد الفصح، وهرع زعماء الدول وقادة العالم إلى إصدار بيانات الإدانة والشجب لهذا العمل الإرهابي وقتل الأبرياء أثناء أدائهم العبادة وفق تعاليم دينهم.

إن منطق رفض الفكر الآخر والعقيدة الأخرى والدين الآخر والمذهب الآخر وحتى الرأي الآخر بدأ مع شروع حباة الإنسان بصورة مجتمعية أولية، حيث لم يرٌق لقابيل أن يتقبل الله قربان أخيه هابيل في حين لم يتمً قبول قربانه، فصارح أخاه بقراره القضاء عليه دون أن يعلم حتى تفاصيل عملية القتل ويعرف كيفية التخلص من الجثة بعد القضاء عليها.

والحقيقة أن سبب تقبل الله لقربان هابيل كان إخلاصه في العمل وهذا ما يريده الله سبحانه، لكن قابيل بدل أن يلوم نفسه على عدم إخلاصه في عبادة ربه ويبادر إلى تزكية نفسه من الشوائب ذهب للقضاء جسدياً على الطرف الآخر وهو أخوه الذي أخلص لربه.

وهذه العقلية استمرت في كافة العصور وتكرر قتل المختلف والقضاء على المخالف في الأمم والشعوب، وهذا ما أشار إليه الملائكة حين أخبرهم الله تعالى بأنه جاعل في الأرض خليفة حيث قالوا: ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء )، وفي كل مرة وفي كل مكان كان ثقافة الفتل هذه تأخد شكلاً مختلفاً وعملية القتل هذه تبرر بمزاعم تناسب المكان والزمان، لكن المنطق الإلهي الذي عبّر عنه هابيل هو: ( لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ).

إذن فالمنطق القابيلي هو قتل الآخر المختلف في الفكر والرأي والسلوك فيما المنطق الإلهي هو رفض الفتل خوفاً من الله الذي كرّم آدم منذ أول الخلق وأمر الملائكة بالسجود له لأنه يحمل في كيانه روح الله.

والعقلية الإلغائية هذه تجسدت مكرراً بصور وأشكال مختلفة، فتارة وقعت المذبحة تحت إسم الدين، و تارة أخرى كانت الإبادة بدعوى اختلاف العرق أو اللغة والمذهب حتى، ومرات شٌنّت الحروب على البلاد والشعوب وقتل عشرات بل مئات الألوف من الناس الأبرياء بحجة حماية حقوق الإنسان.

لا أريد الغوص في التازيخ القديم والمذابح التي وقعت والإبادات التي حدثت، لكن أشير إلى عمليات إبادة المستعمرين البريطانيين لملايين سكان القارة الأمريكية الأصليين واستجلاب آخرين من هنا وهناك للسكن مكانهم، واستعمال الولايات المتحدة القنبلة النووية في اليابان والقضاء على مئات الألوف من الأبرياء بهدف فرض الاستسلام على إمبراطوره، وقتلت فرنسا أكثر من مليون إنسان في الجزائر مثلاً لتفرض سلطتها على جزء من شمال إفريقيا وتوسع مساحة البلاد التي تهيمن عليها، وفي فلسطين سهل البريطاني للصهيونية العالمية استقطاب اليهود جماعات وفرادى من أقطار الأرض للحلول مكان الأصحاب الأصليين وتأسيس كيان مبتدع على أنقاض الدولة الأصيلة التي إسمها فلسطين، وتبرير أبشع الجرلئم المستعملة من قبل العصابات الصهيونية الإجرامية بحق أهل الأرض الحقيقيين وفرض التهجير إلى كافة دول العالم على الملايين من الفلسطينيين، ومازالت الجرائم مستمرة والعالم " المتحضر " يتعامى ويبرر للكيان الصهيوني إجرامه، ولا يتذكر أبداً حقوق الإنسان عند استعمال الصهاينة للأسلحة الفتاكة المحرمة دولياً ضد قطاع غزة المحاصر براً وبحراً وجواً منذ عشرات السنين.

وفي بورما التي أخدت رئيسة وزرائها جائزة نوبل يهاجم البوذيون المناطق التي يسكنها المسلمون المعروفون بـ " الروهينجا " ويحرقون الحرث والنسل ويستعملون أكثر الوسائل وحشية لقتل المسلمين المسالمين وإجبارهم على الفرار من وطنهم واللجوء إلى بنجلاديش وغيرها حفاظاً على حياتهم، وتنتشر الصور والأفلام الموثقة للجرائم تلك والمسمرة تحت نظر السلطات بل وبمشاركة عناصر الجيش في بعض الأحيان، لكن يتمً التعامل من قبل العالم " الحريص " على " حقوق الإنسان " بخجل ولا خطوة جادة لوقف الهجمات وإعادة المهجرين إلى قراهم وبيوتهم ليعيشوا بأمان هم وعبالهم.

وفي نيوزلندا يهاجم شخص مساجد المسلمين فيقتل العشرات ويقوم بكل وقاحة بتصوير مشاهد جريمته وبثّها على الهواء مباشرةعبر الشبكة العنكبوتية، والسلطات  النيوزلندية اعتقلت القاتل، لكنها تصرفت معه برفق مريب لا يمنعه او غيره من تكرار فعلته.

وأخيراً في سريلانكا يقتحم عدد من المغرر بهم كنائس أثناء قداس يوم الفصح ويفجرون أنفسهم بين المصلين لتكون النتيجة أكثر من ٣٠٠ قتيل عدا المئات من الجرحى، وهدفهم من فعلتهم الإنتحارية القبيحة والمدانة والرضا بتمزق أجسادهم هو الجلوس بزعمهم على مائدة مع الرسول محمد صلى الله عليه وآله في الجنة.

ومن قبل كان هؤلاء ومن على منهاجهم يمزقون أجساد عشاق أهل بيت الرسول محمد صلى الله عليه وآله في العراق وفي سوريا ولبنان والباكستان والهند وهم يعتقدون بأن عملهم هذا يجعلهم يجلسون مع النبي محمد صلى الله عليه وآله بعد قتل موالي عترته.

لكن الحقيقة أن ثقافة حب القتل في الحالات المحتلفة ورفض وجود الجنس الأصلي في الفارة الأمريكية، ومحاولة تكريس الإحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية والقضاء على أهل الأرض الحقيقيين وتسويقه أمام الرأي العام العربي والإسلامي حتى من قبل بعض الدول العربية المحتلة أرضها، والإقدام على  المذابح الوحشية بحق المسلمين في بورما والتغاضي عنها من جانب المجتمع الدولي، وعملية قتل المصلين المسلمين في مسجدين في نيوزلندا والتساهل مع القاتل الذي جاهر وباهى بجريمته الوحشية، وارتكاب المجزرة بحق المصلين المسيحيين في سريلانكا باسم الإسلام الذي بعث الله رسوله رحمة للعالمين وكافة للناس، كل هذا ناتج من ثقافة القتل لدى بعض بني البشر الذين " لا يخافون الله رب العالمين " كما قال هابيل من قبل.

ولأجل التخلص من " الحالة القابيلية " التي يجاهر صاحبها بحب القتل ويصرح برغبته للقضاء على أخيه الإنسان منذ بدء الحياة البشرية حتى اليوم لا بد من منقذ ينهي حالة التكالب وواقع التحارب وظاهرة التقاتل حتى يتحقق وعد الله سبحانه: ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) 

صدق الله العلي العظيم

السيد صادق الموسوي

 

الوسوم