بيروت | Clouds 28.7 c

رواية انقضاض السادات على الناصرية.. وإسرائيل ومداواة السيسي للجراح الروسية – من كتاب: أنياب الخليفة وأنامل الجنرال / بقلم فؤاد مطر

رواية انقضاض السادات على الناصرية.. وإسرائيل ومداواة السيسي للجراح الروسية – من كتاب: أنياب الخليفة وأنامل الجنرال / بقلم فؤاد مطر

مجلة الشراع  5 نيسان 2019 العدد 1895

 

*جيهان السادات توقعت قتل بعلها

*أنور السادات توقع ان يحلق في سماء المجد بعد إطفاء بريق الناصرية ارضاء لدول في الخليج العربي

*السادات أطلق عبارة ان الاميركان عايزين واحد لسانه زفر يتكلم عليها

*السادات أدخل في قاموس المخاطبة عبارات الفرم لخصومه الناصريين، والشيخ اللي مرمي زي الكلب في السجن للشيخ كشك، والواد المجنون عن القذافي

*رداً على نقل الجامعة العربية من مصر بعد كامب ديفيد قال السادات ((خليهم ياخدوها مش عايزها))

 

أمضى الصحافي الكاتب فؤاد مطر ثلاث سنوات يستحضر من الذاكرة ومن إضبارات أرشيفه الشخصي التي تحوي مئات الوثائق والأوراق التي طالما حبَّرها كمراسل لصحيفة ((النهار)) اللبنانية في المثلث الأكثر حيوية ثورية بين الستينيات والثمانينات ((مصر، السودان، ليبيا))، وحالت قساوة الرقابة المصرية على رسائله كما على سائر المراسلين الأجانب، دون نشْر الكثير من رسائله.

كان التركيز في تلك الأوراق والوثائق على المواجهة الساداتية- الناصرية والساداتية – السوفياتية، وهما أكثر المراحل حدة في الفترة بين رحيل الرئيس جمال عبدالناصر والحرب التي خاضها الجيش المصري ((6 تشرين الأول/ اكتوبر 1973)) وحققت للسادات مجداً تسرَّع في توظيفه وتسبَّب التسرع في حدوث مأساة الإغتيال للزعيم الذي كان وهو يحتفل بذكرى النصر الذي تحقَّق يمنِّي النفس بزعامة تتجاوز الإطار المحلي ((مصر)) إلى الإطار العربي والإقليمي.

حصيلة السنوات الثلاث كان الكتاب الجديد للزميل فؤاد مطر الذي أراده خارجاً بعض الشيء عن المألوف بمعنى أنه أشبه بمسلسل فيه الحبكة الدرامية بمعالمها المتنوعة من البهجة إلى الصدمة إلى الإنتقام إلى القضاء إلى السجن.. إلى المجهول. كما أراد أن تكون الصورة الحدثية عنصراً داعماً للمعلومة وللوثيقة. وهكذا خرج مؤلفه الجديد وهو الثلاثون في مسيرة الصحافي - المؤلِّف منذ كتابه الأول ((رؤساء لبنان من شارل حلو إلى شارل دباس. ذكريات ووقائع وطرائف وصور)). أيلول/سبتمبر 1964 الذي توَّجه الأستاذ ((الراحل)) غسان تويني ناشر صحيفة ((النهار)) بتقديم هو الأول له.

ولقد كان لافتاً أن التقديم لكتاب فؤاد مطر الجديد كان من جانب كريم بقرادوني الشاهد من داخل الدواوين الرئاسية والكواليس السياسية اللبنانية- السورية – الفلسطينية في الزمن الذي رأى الشيخ بشير الجميِّل في جنوح الرئيس أنور السادات نحو السلام المنفرد مع إسرائيل بدءاً بزيارة القدس وإلقاء الخطاب في الكنيست ثم إبرام معاهدة كامب ديفيد مع مناحيم بيغن عرَّابها الرئيس جيمي كارتر، الغطاء الذي اعتبره واقياً لكي يجنح نحو التلاقي مع الجانب الإسرائيلي. ثم ينتهي الرهان من جانب الإثنين، الجميِّل بعد السادات، مأسوياً. في ضاحية القاهرة يلقى السادات حتفه في عملية إغتيال غير مسبوقة جسارة الذين قاموا بها. وفي قلب بيروت يقضي الشيخ بشير ولمَّا أقسم اليمين رئيساً للجمهورية اللبنانية الخالية من ((بروفة)) أولية للدولة الفلسطينية.. ((دولة الفاكهاني العرفاتية)). وفي ما ينسبه كريم بقرادوني في التقديم إلى كل من الرئيس حافظ الأسد والرئيس الياس سركيس والرئيس بشير الجميِّل ما يوضح مسألة الربط بين الفعل الساداتي في موضوع السلام مع إسرائيل وما فعله الشيخ بشير الذي دفع غالياً ثمن إصغائه إلى سيناريو أرييل شارون.

يقع كتاب ((أنياب الخليفة وأنامل الجنرال. رواية إنقضاض السادات على الناصرية.. وإسرائيل ومداواة السيسي للجراح الروسية)) في ستمئة صفحة تشمل الوثائق والصور إلى جانب الفصول التي سمَّاها المؤلف إنقضاضات.. من الإنقضاض الأول بعنوان ((هكذا طوى السادات صفحة الناصرية)) إلى الإنقضاض الثاني بعنوان: ((هكذا زلزل السادات هيبة كرملين بريجنيف)) ﻓـ الإنقضاض الثالث بعنوان ((لعبور الأسطوري للقناة والصاعق ﻟـ مناحيم وموشي)). ويلي الإنقضاضات الثلاثة، أي الفصول، باب الوثائق الذي يضم 15 وثيقة.

توضح صفحات التمهيد ظروف إنجاز هذا الكتاب الذي تزامن إصداره مع مئوية الرئيس أنور السادات الذي يسميه المؤلف اختصاراً ((الخليفة)) والتي تُصادف أيضاً مئوية الرئيس المورِّث جمال عبدالناصر ومئوية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي كان له حضور في الحُقب المصرية الثلاث: الناصرية، الساداتية، ثم حقبة الرئيس حسني مبارك.

ومن خلال تعريف المؤلف لكتابه الذي نثبِّته هنا نقرأ بالعين المجردة رواية إنقضاض السادات (الخليفة) على الناصرية وإسرائيل ومداواة السيسي (الجنرال) للجراح الروسية والناصرية على حد سواء. وعلى النحو الآتي التعريف في سبع صفحات وبعنوان ((هذا الكتاب)):

تشاء مصادفات الأعمار أنه في العام 2018 تحل مئوية الرئيس أنور السادات ((مواليد25 كانون الأول/ ديسمبر 1918)) ومئوية الرئيس جمال عبدالناصر ((مواليد 15 كانون الثاني/ يناير 1918)) وتحل في العام نفسه مئوية زعيميْن تركا بصمات في تاريخ بلديْهما وشعبيْهما، هما الزعيم الأفريقي الجنوبي نلسون مانديلا ((مواليد 18 تموز/ يوليو 1918)) ورئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ((مواليد 6 أيار / مايو 1918)) وحيث أن للرئيس الروماني الراحل تشاوشيسكو حضوراً جزئياً في إنعطافة الرئيس السادات السلمية وزيارة القدس فإنني أضيفه كونه من مواليد 26 كانون الثاني/ يناير 1918 إلى قائمة المئويين. ومن باب ترطيب أجواء التحليل أستخلص من خلال المتخصصين في الأبراج بعض ملامح شخصية الرئيس أنور السادات كونه سجَّل إختراقيْن طالما استعصى إختراقهما على غيره من حكَّام الأمتيْن العربية والإسلامية: زيارة القدس يوم 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977((عشية عيد الأضحى)) وإلقاء خطاب في الكنيست، ثم إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل يوم 17 ايلول/ سبتمبر 1978 في منتجع ((كامب ديفيد)) برعاية الرئيس الأميركي التاسع والثلاثين جيمي كارتر، فضلاً عن الإختراق الأهم الذي سبق الزيارة والمعاهدة ونعني بذلك النصر الذي حققه الجيش المصري يوم 6 تشرين الأول/ اكتوبر 1973 على إسرائيل التي تحتل سيناء وتعطِّل الملاحة في قناة السويس ذات المورد المهم لمصر. وكان هذا النصر حالة أخْذ بالثأر جديدة من نوعها في كتاب تدوين التاريخ المخضرَم لمصر الجمهورية.

بالنسبة إلى السادات ((برجه الجدي)) هو خجول لكنه قوي، مُسلٍ وطموح، مثابر وعنيد، حالم ويصدِّق أحلامه. يفضِّل أن يكون رئيساً للجمهورية. قد يدَّعي أنه يستطيع العيش من دون إطراءات ولكن طريقة تصرُّفه تبقى دليلاً على حبه للإطراءات عندما يقوم أحدهم بمدْحه. ((عند التأمل في تاريخ السادات قبْل الترؤس وخلال سنواته الرئاسية نجد بعض هذه الصفات)). ما يقال عن السادات يقال بالنسبة إلى عبد الناصر حيث كلاهما من برج الجدي وكلاهما ينطبق عليهما المثل الشعبي المصري ((اللي يعمل ريِّس يجيب الريح مِن قرونه)).

وأما تسمية الكتاب ((أنياب الخليفة.. وأنامل الجنرال)) فلأن سنوات أنور السادات خليفة جمال عبدالناصر حفلت في بعض محطاتها بكلام ((أو نسبوه إليه)) ينطبق على مفرداته ما يجوز قوله إن للسادات تعابير بعضها من النوع الثأري يريد من خلالها تثبيت قول المتنبي: ((إذا رأيت نيوب الليث بارزة .. فلا تظنَّن أن الليث يبتسم)). ولنا على سبيل المثال عدا عبارته الشهيرة ((إتحاد الجمهوريات العربية وُلد ولَهُ أنياب))، أنه قبْل أن يضرب الضربة الصاعقة المتمثلة بإخراج الخبراء والمستشارين السوفيات العاملين في الجيش المصري ببضعة أشهر كانت له عبارة عن أنياب ليث غير مبتسم وهي ((أميركا عايزه واحد لسانه زِفِر يتكلم عليها)). كما أن قراره الصاعق بقطْع العلاقة الدبلوماسية مع الأردن ومباغتة الحكومة والبرلمان بهذا القرار الذي لم يتوقعه أحد، كان بفعل رئيس يريد بعدما طوى التمسكن ليستبدله بالتمكن وعلى نحو المثل الشعبي المصري ((إتمسكن لمَّا تتمكَّن))، إثبات قدرة أنيابه على إلحاق التعطيل بخطوات أو مشاريع. ولقد كان قطْع العلاقات المباغت مع الأردن من أجْل تعطيل زيارة كان الملك حسين في صدد القيام بها إلى موسكو للتشاور مع قادة الكرملين في مشروعه الذي أعلنه يوم الأربعاء 15  آذار / مارس 1972 ويتعلق بإنشاء ((المملكة العربية المتحدة)) تضم الضفة الغربية وقِطاع غزة مع المملكة وبذلك يُطوى أمْر الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

واللافت أن الرئيس السادات الذي فعل ذلك قائلاً إنها من أجْل فلسطين والقضية الفلسطينية هو نفسه الذي خرج عن قاعدة التشاور والإلتزام بالعمل القومي إجماعياً بما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي حيث أنه كما ذكرْنا في سطور سابقة زار القدس لاحقاً وأبرم في ((كامب ديفيد)) إتفاقية سلام مع مناحيم بيغن رئيس وزراء إسرائيل كان عرَّابها الرئيس جيمي كارتر وعلى قاعدة المثل الشعبي ((صباح الخير يا جاري.. أنت في دارك وأنا في داري)). كما أن أحد وزرائه الدكتور محمد حسن الزيات وهو من منظِّري مشروع السلام مع إسرائيل قال ذات يوم في مقابلة صحافية معه ((إنها المرة الأُولى منذ ربع قرن التي تعلن مصر اعترافها بإسرائيل)). وفي جلسة لمجلس الوزراء لاحظ المجتمعون كيف أن الرئيس السادات أظهر أنيابه عندما ضرب على الطاولة وقال ((هذا أسلوبي واللي مش عاوز يتعاون معي يتصرف)). كان الرئيس السادات التزم بما نص عليه إعلان قيام ((إتحاد الجمهوريات العربية)) في نيسان/ ابريل 1971 بأنه ((لا صُلْح ولا تفاوُض مع إسرائيل)).

ومن مآثر الدكتور محمود فوزي أنه تدخَّل على الفور بكلمات تعكس كياسة الرجل ودبلوماسيته كي لا يقول الرئيس السادات ما هو أكثر قساوة مِن الذي قاله. وسبق وبالكياسة نفسها أن نبَّه الدكتور فوزي إلى أن التروي كان أفضل بحيث لا تنقلب مصر بين ليلة وضحاها ساداتية بعدما كانت ناصرية. وهنا أشير إلى أن أسلوب الدكتور محمود فوزي ((اليميني بأصول)) في التهدئة والترويض لمواقف حادة يتخذها السادات ينسجم مع أسلوب الكاتب لطفي الخولي (اليساري بأصول) والذي طالما، كما عبدالرحمان الشرقاوي وبعض الماركسيين الذين عيَّنهم السادات وزراء أو في إدارات ((الدكتور فؤاد مرسي والدكتور إسماعيل صبري عبدالله على سبيل المثال))، هدَّأ من روع الرئيس السادات ضد السوفيات من خلال إضاءته في مقال شهير على ((مدرسة السادات السياسية))، ومخاطبته السادات في مقال آخر بالقول ((إن إختلاف طبيعة السُلطة في كل من مصر والإتحاد السوفياتي هو الذي سبَّب الخلاف، لذا يجب أن نحرص كل الحرص من زاوية وطنية على أن لا نُستدرج لرؤية الصديق بعين عدونا الذي هو في الوقت نفسه عدوه)). وأما كلمات ((الفرْم)) وتشخيصاته الغاضبة للعقيد معمَّر القذّافي وعبارته عن الشيخ كشك، فإنني من باب الإحترام لصاحب نصر أكتوبر 1973 لا أُدْرِجها في سياق الأمثلة والشواهد. أما توصيفه الإنتفاضة الشعبية نتيجة سوء الأحوال وارتفاع الأسعار في ظل سياسة الانفتاح بأنها ((إنتفاضة حرامية))، والرد على النخبة من الكتَّاب والمثقفين والشخصيات السياسية وبعض رجال الدين المعترضين أو حتى المتحفظين على نهجه، باعتقال 1600 في ليلة واحدة.. أما هذه التوصيفة وذاك الرد ومعهما إبعاد أكثرية الضباط الأحرار مِن موقع المسؤولية، فكانت ندبة الندوب في ولايته الرئاسية، فضلاً عن اتساع حجم ظاهرة الهجرة الفلاَّحية، حيث أنها المرة الأُولى منذ سبعة آلاف سنة تحدُث هجرة للفلاحين وبالألوف إلى العراق والأردن وليبيا. وبذلك فإن الرئيس السادات الذي تنطبق على ممارساته بعض معاني الأمثلة الشعبية ومنها ((يا أرض اشتدي ما عليكي قدي)) في الحد الأقصى من الشعور بالعظمة، و((اللي معاه القمر ما يباليش بالنجوم واللي يعطيه خالقه مين يخانقه)) تدليلاً على عمق الثقة بالنفس والاطمئنان إلى أن الرأي العام المصري يسانده أملاً في أن الأحوال على يديْه ستكون على نحو المثل الشعبي ((إديني خروف وخد بكره صوف)).. إن الرئيس السادات المسكون بالحالة التي أشرنا إليها لجهة الشعور بالعظمة والثقة والإطمئنان إلى أن الرأي العام في أكثريته معه، ذهب بعيداً في اتخاذ قرارات واعتماد خطوات ألقت ظلالاً على تاريخه وفسرت خطواته على غير ما يعزز هذا التاريخ. وهو لو أخذ بالأقوال التي يرددها أهل الحنكة والحكمة من أبناء المحروسة وبالذات في مجتمع الأرياف ومنها ((هوِّب بعصاية العز ولا تُضرب بها)) لكانت حاله وأحوال مصر في ظل سلطانه أكثر اطمئناناً ولما كان لينطبق على واقعة المنصة يوم 6 أكتوبر 1981 وعلى أيدي عدد من الضباط والجنود المصريين، وتلك أكثر نقطة صادمة في ذلك الحدث، المثل الشعبي ((يا فرحة ما تمت خدْها الغراب وطار)).

وثمة لحظة بالغة الأهمية في موضوع أنياب الليث المصري أنور السادات عبَّر عنها بكلمات سمعها بعض الذين رافقوه في زيارته إلى موسكو يوم الخميس 27 نيسان/ ابريل 1972 مصطحباً حسني مبارك ((المعيَّن حديثاً قائداً جديداً للسلاح الجوي)) مستبقاً الزيارة بقوله في خطاب لمناسبة ذكرى المولد النبوي ((إن عامنا المقبل 1973 سيشهد ليس فقط بداية لمعركتنا بل سيشهد نصراً حاسماً)).ولقد أزعجه أيما إزعاج، وبحيث بدأت الأنياب على أهبة أن تبرز، أنه لم يجد بريجنيف وبودغورني في استقباله وإنما فقط كوسيغين مع أن الثلاثة خرقوا ذات زيارة لعلي صبري كل قواعد البروتوكول وعقدوا اجتماعاً مشتركاً معه ومطوَّلاً. وهذا التميز مِن جانب السوفيات كان من جملة مسارعة السادات إلى التصويب على نقْل رموز الحقبة الناصرية وأبرزهم علي صبري وشعراوي جمعة وعبد المحسن أبو النور مِن كراسي السلطة والشأن القوي إلى الإعتقال فالمحاكمة فالسجن. وهكذا بين ليلة وضحاها إنقلبت مصر ساداتية بعدما كانت ناصرية.

تبقى إندفاعة الرئيس السادات في اتجاه وضَع شعاره ((حرب أكتوبر آخر الحروب)) وإبرامه لهذا الغرض معاهدة ((كامب ديفيد)) التي بموجبها استرجع سيناء وحرر قناة السويس التي استُؤنف المرور الدولي فيها مع صعود متدرج للخط البياني في ما يتعلق بالعوائد. هنا تجدر الإشارة إلى أن المجتمع الدولي يولول في الزمن الراهن من أجْل مضيق هرمز وتهدد الولايات المتحدة على مدار الساعة إيران بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال تَسبَّب العناد الثوري الإيراني في تعطيل المرور في المضيق وهو قادر على ذلك. لكن هذا المجتمع والعم سام على وجه التحديد كان ساكتاً ولعله محبِّذاً، الفعْل الإسرائيلي المتمثل بعدم التجاوب مع أي محاولة مصرية - أممية لفتْح القناة أمام سفن دول العالم. ولقد أبرم السادات المعاهدة متسلحاً بورقة نصر 6 أكتوبر 1973  الذي رأى فيه ما يلخصه المثل الشعبي الذي أوردناه في سطور سابقة ((اللي معاه القمر ما يباليش بالنجوم)) القمر هو النصر والنجوم هم بعض الحكام العرب الذين اعترضوا على فِعْله فجمَّدوا عضوية مصر في الجامعة العربية ووسَّعوا مساحة المقاطعة لها فيما هو يقول مستخفاً بنقْل مقر الجامعة العربية إلى تونس ((خليهم ياخدوها مش عايزها)). كان غير عابىء بتشقق الصف العربي فكان الإبرام بمثابة الندبة الرمادية في جبين الحقبة الساداتية تزول في حال أن إسرائيل قررت وبضغوط متفاوتة من الولايات المتحدة وسائر الدول ذات التأثير عليها، ضيقاً بعنادها واقتناعاً بوضْع المنطقة العربية في مدار الإستقرار لتأمين المصالح الأميركية والدولية، أن تطوي أحلامها التوراتية وترتضي العيش كإحدى دول المنطقة لا تعتدي ولا يُعتدى عليها. وإلاَّ فإنطباق المثل الشعبي المصري لهذه الحالة وارد ((إصبر على جار السوء يا يرحل يا تيجي له داهية)). وهذه مبادرة السلام العربية لم تذبل حروفاً بعد. وفي حال حدث ذلك سيعاد الاعتبار إلى الرئيس السادات على أساس أنه فتح الباب الموصَد. كما في هذه الحال سيُعتبر شهيد السلام ويوضع له تمثال برونزي في الأمم المتحدة كتمثال مانديلا. مَن يدري. كما سيصار إلى تصنيفه واحداً من القادة الأكثر تميزاً في التاريخ الحديث لمصر بعد محمد علي وسعد زغلول وجمال عبدالناصر الذي سيأتي يوم لا ريب في ذلك يتم فيه الإفراج عن إضبارات وتسجيلات تحوي من المعلومات والوثائق ما يوضح لماذا اختار عبدالناصر بالذات أنور السادات خليفة له، ولماذا كانت وفاة عبدالناصر مبكرة.. ولماذا.. ولماذا. عشرات من اﻟ ماذا لا يكتمل فك ألغازها قبْل الإفراج المشار إليه. ولكل من أولئك القادة المصريين مزايا وشمائل ومقومات زعامة كما لكل منهم حالات من الصعود المتدرج إلى القمة وهبوط سريع الإيقاع إلى السفح. وبالنسبة إلى السادات افترض بعد توظيفه نصر أكتوبر 1973 بإبرامه معاهدة ترعاها الولايات المتحدة أنه سيحلِّق في سماء الأمة تحليق النسور ما دام يملك مقومات قيادة الأمة وما دام حقق لدول الخليج مبتغاها الذي يتمثل في إطفاء الوهج الناصري وعدم ترْك الوجود السوفياتي يتمدد في اتجاه الخليج والبحريْن الأحمر والمتوسط ومناطق عدة من ديار الأمة. لكن الذي حدث أن القادة العرب عطَّلوا له خارطة طريقه عندما عزلوه وعلَّقوا عضوية مصر وبات بطل حرب 1973 نسراً بجناح واحد بالكاد يستطيع التحليق ثم يتبين أن داخل المجتمع المصري مَن له الكثير من التحفظ على ما فعله. كما هنالك شريحة عريضة من المجتمع غير مقتنعة بما فيه الكفاية بأن ((اللي فات مات)) وترى ما ينطبق عليه المثل الشعبي ((عُمْره العدو ما يبقى حبيب وعُمْره شجر التين ما يطرح زبيب)). وفي نهاية المطاف إنتهى السادات البطل الذي طالما صوَّب على كثيرين، وبالذات رموز الحقبة الناصرية ومهابة الإتحاد السوفياتي، برسم التصويب الناري عليه مضرجاً بدمه ((شهيد المبادرات المتسرعة)) وفي عملية اغتيال لم يخطر للحظة في باله أنه قد يتعرض لها في حين أن زوجه السيدة جيهان التي لم ترافقه في أيام جولات التفاوض في ((كامب ديفيد)) كما روزالين زوجة الرئيس كارتر التي كانت تلازمه ويستشيرها أحياناً، توقعت ((أي السيدة جيهان)) نهاية مأسوية رداً على زيارته القدس ثم إبرامه معاهدة سلام مع إسرائيل. لقد ((سَلِم من الدب فوقَع في الجب)) على رأي إبن البلد المصري.

وحتى في التعامل الخشن من جانبه مع الإتحاد السوفياتي وعلى نحو ما أوردتُ الكثير من تفاصيل هذا التعامل ومن الوقائع التي كانت حبيسة الإضبارات ومن الكلام القاسي وعلى الهواء مثل ((السوفيات بِصعَّدوا لكن لما يجي الوقت للتصعيد حافضحهم في العالم كله))، في المحور الخاص بالموضوع وتحت عنوان ((الإنقضاض الثاني)) وفي وثائق تتصل بهذا الإنقضاض..حتى في التعامل الخشن هذا يمكن القول إن الرئيس السادات سجَّل في تاريخ علاقات الدول العربية مع الكرملين نقطة نظام من المصلحة العامة التنبه لها لكي تبقى العلاقة على الخط المستقيم. ويجد المرء نفسه يتساءل: هل سيأخذ الرئيس فلاديمير بوتين بنقطة النظام هذه خصوصاً أن تعاطيه مع الموضوع السوري يؤسس لما هو أكثر حدة من الذي فعله السادات بعد أن تفرض تطورات الأزمة السورية نوعية أُخرى من الممسكين بزمام السلطات في سورية يحلون محل النظام البشَّاري الذي تكارم مع روسيا البوتينية كما لم يتكارم طرف عربي لكن الرئيس بوتين تعامل مع الرئيس بشَّار الأسد كوصي. ومثل هذا التعامل كفيل بأن يفعل الرئيس بشَّار إذا قُيِّض له البقاء وقويت شوكته ما فعله الرئيس السادات أي إلغاء المعاهدة التي أبرمها الوالد (حافظ الأسد) مع بريجنيف ورفيقيْه ومعها إلغاء الإتفاقيات الإملائية التي وقَّع عليها ((مكرهاً أخاك لا بطل))، وإنهاء الوجود الروسي البحري والبري والجوي. وإذا كان لن يبقى ليُقْدم على ذلك فإن الخليفة له سيُبرز أنيابه منذ اليوم الأول.. إخوانياً كان هذا الخليفة أو شخصية وطنية عروبية.

ويبقى أن هذا الكتاب يصدر مع مئوية الرئيس أنور السادات الذي سجَّل في تاريخ الحُكْم المصري خطوة غير مسبوقة وتتمثل في إسناد مناصب وزارية إلى إثنيْن من الماركسيين، هو من أجْل أن يعرف جيل عربي كان أفراده إما لم يولدوا بعد أو في سن الطفولة، عندما حدثت هذه التطورات في حياة الأمة والتي تشكِّل مع قضايا أُخرى أسباب ما تعيشه الأمة منذ أن طوى القرن العشرون الورقة الأخيرة من صفحات أيامه لتبدأ المعاناة الأشد وطأة مع كل يوم من القرن الواحد والعشرين الذي ما زلنا في بداياته.

وعندما يكون مَن يقوم بهذا الاستحضار لما جرى والكشف عن المخبوء والتذكير بما طواه النسيان، مثل حالي معايشاً ومدوناً ومحتفظاً بمئات الأوراق والوثائق والصور التي تعود إلى سنوات من العام 1970 إلى العام 1990 وكذلك بعشرات الأمثلة الشعبية سمِعَها في فترات متقطعة من سنواته المصرية، فإن ذلك يُكسب العمل مصداقية.. فضلاً عن أنه يبعث في نفسي الرضى بأنني أؤدي واجباً معرفياً. أعانني الله على أن أُنجز لاحقاً، في حال بقيت الهمة على حيويتها، لاستكمال الإضاءة على تجربة الجنرال الرئيس - الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي حقق خطوة نوعية لبلسمة الجراح التي أحدثتها أنياب الرئيس وكان بذلك من خلال العلاقة المتأنية مع الرئيس فلاديمير بوتين مثل عازف سياسي يعتمد الأنامل والكلمة الهادئة عِوَض الأنياب التي ترضي شعوراً بالعظمة لكنها تضع العلاقة في دائرة المخاطر.

 

جمال عبدالناصر: غيابه بداية الانهيار العربي الشامل

السادات: اخراج مصر من كل تأثير

السيسي: يحمل أعباء اعادة بناء مصر في كل المجالات

الجيش المصري: جيش العروبة يا بطل الله معك

الوسوم