بيروت | Clouds 28.7 c

الاتراك يفوضون أردوغان لاصلاحات مئوية ! بقلم : محمد خليفة

أم على قلوب اقفالها ..؟!

الاتراك يفوضون أردوغان لاصلاحات مئوية !

 بقلم : محمد خليفة

لم تكشف الانتخابات التركية التشريعية والرئاسية عن تغيرات مثيرة في توجهات الرأي العام. فقد أعادت صناديق الاقتراع تأكيد المؤكد منذ خمسة عشر عاماً.

((حزب العدالة والتنمية))  يتقدم ويجني 42,5% من اصوات الناخبين، واحتل نوابه الفائزون 295 مقعداً من إجمالي مقاعد البرلمان البالغ 600 مقعد، مسجلا ًتراجعاً طفيفاً عن دورة تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 التي فاز فيها بأغلبية 49,5% واحتل نوابه 317 مقعداً من550.  وكان الحزب احتاط مسبقاً للتراجع، فتحالف مع)) الحركة القومية)) التي جنت 11,1% وحصلت على 48 مقعداً.

وفي الانتخابات الرئاسية فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بـ 52,6% بينما حصل أول منافسيه الخمسة محرم انجه المرشح عن ((حزب الشعب الجمهوري))  على 30%  من الأصوات.

أما أهم ما أظهرته الانتخابات فهو الارتفاع القياسي في نسبة المشاركة في كلا الانتخابات، وفاقت 87%  من اجمالي الناخبين، وهي من أعلى نسب المشاركة في الدول الديمقراطية، مما يبرز نضج الناخب التركي وثقته بنظام الانتخابات وبالنظام السياسي، أكثر من السابق، ويمكن اعتباره دليلاً على تأييد الغالبية الساحقة للإصلاحات الجذرية التي أدخلها حزب العدالة والتنمية منذ 2002 على نظام الدولة الدستوري والسياسي، وقادها الرئيس أردوغان، وخصوصاً تغيير النظام من البرلماني الى الرئاسي، الذي سيبدأ تطبيقه اعتباراً من بداية الدورة الجديدة. وكان هذا التغيير فجر سجالاً حادا ًفي كل الأوساط وامتد لداخل الحزب نفسه، واستغله المعارضون لاتهام أردوغان بالسعي لتجميع السلطات بين يديه، ورغبته بحكم البلاد بمفرده وأطلقوا عليه لقب السلطان، وحذروا من ديكتاتورية مقنعة، ولكن الشعب التركي حسم السجال بتأييده الانتقال للنظام الرئاسي في الاستفتاء العام الذي جرى العام الماضي 2017 بنسبة عالية على الدستور الجديد.

في ضوء هذه التحولات لا يمكن للمراقب في الداخل والخارج تجاهل أن أكثرية الاتراك منحازة لأردوغان ((الزعيم)) لا((أردوغان )) الحزبي، فشعبيته تتجاوز شعبية حزبه، والغالبية تفوضه لإعادة بناء تركيا وإعادة موضعتها على الخريطة العالمية بما يتناسب مع التغيرات الدولية، والتغيرات العميقة التي شهدتها تركيا. وهو أمر منطقي في ضوء الانجازات العملاقة التي تحمل بصمته ورؤيته الشخصية عبر 16 عاماً على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية، ونقلت تركيا بسرعة قياسية الى المرتبة السابعة عشرة بين القوى الاقتصادية العالمية، ووعد أردوغان بأن يجعلها ضمن العشرة الأولى بحلول 2023 الذكرى المئوية لقيام الجمهورية على يد المؤسس مصطفى كمال .

ولا يخفي أردوغان عزمه على الاحتفال بالمناسبة، وقد أعاد هيكلة الدولة، بصورة مختلفة جذرياً عن سلفه، لتكون تركيا القادمة ((أردوغانية)) متصالحة مع ذاتها وهويتها الاسلامية، وقائدة في محيطها، بعد أن استتبعها أتاتورك ((أبو الأتراك)) ! بمؤخرة الغرب، وعزلها عن محيطها، وتنكر لهويتها التاريخية. الأمر الذي خلق حالة انفصام جماعية عانى منها الاسلاميون طوال قرن. وكافح نجم الدين أربكان أستاذ اردوغان لتصفية ميراث اتاتورك، وإزاحة أوثانه وظله الثقيل على الوعي التركي حتى اصبح شبحاً مخيفاً للعلمانيين والكماليين، ومات ولم ينجح، ولكن أردوغان حقق حلم الرعيل السابق من الاسلاميين العقائديين بطريقة براغماتية مرنة، واستطاع إعادة الاسلام الى مكانته بهدوء، ودون عنف، وأجرى مصالحة قومية تاريخية بين الاسلاميين والعلمانيين، وهيأ نفسه للحلول محل نقيضه العقائدي أتاتورك .

نجح أردوغان في ما فشل فيه كل رؤساء وزعماء تركيا الديمقراطيين والليبراليين واليساريين والقوميين منذ عصمت اينونو الى سليمان ديميريل، مروراً بمندريس وبايار وأجاويد واوزال واربكان الذين تطلعوا لإنهاء وصاية الجيش على الدولة وترسيخ الديمقراطية، وبعضهم دفع حياته فداء لذلك. ويسجل لاردوغان تحقيق هذه الأمنية القومية، وتخليص الدولة من سلطة العسكر، وجعل الجيش مؤسسة خاضعة لسلطة الحكومة والرئاسة، لا سيما بعد أن أفشل ببراعة وشجاعة ردة فعل العسكر الأخيرة على اصلاحاته عام 2016 وأنهى للأبد أبوية المؤسسة العسكرية للدولة والمجتمع وتهديدها الدائم للديمقراطية.

وبسجل لأردوغان أيضاً تجرؤه على فتح ((القضية الكردية)) للحوار العلني وعمل على تقليص المحظورات فيها. ورغم انتكاسة مقاربته الأولى، فالآمال معلقة على صلاحياته الرئاسية لإعادة المحاولة، ومعالجة أخطر الإشكاليات الداخلية دون أن يسمح بتهديد وحدة تركيا. فقد أصبح السياسيون الاكراد عنصراً حاضراً وفاعلاً في البرلمان والنسق الحزبي والسياسي. ولا شك أن خطوات أردوغان تراجعت وتباطأت، وعاد اردوغان لإشهار الخطاب القومي المتشدد ضد المطالب الكردية، وإظهار عزمه على أداء دور ((روبن هود)) ضد الاكراد في الدول المجاورة أيضاً!. ويلاحظ انه صعد غاراته وحملاته العسكرية ضدهم في سورية والعراق خلال فترة الاستعداد للانتخابات الأخيرة، وتحالف مع ((الحركة القومية)) الأكثر تشدداً.

أما أخطر الاستحقاقات التي يستعد اردوغان لمواجهتها فهو اعادة ترتيب علاقات تركيا بحلفائها الغربيين، من حلف الناتو الى الاتحاد الأوروبي، بعد الاضطرابات الراهنة التي لا يمكن أن تستمر، ومن الواضح أن الرجل يريد تذكير الغرب بأهمية بلاده ومكانتها بهدف معاملتها بطريقة أكثر احتراماً بعد أن رفض الاتحاد الاوروبي عضوية تركيا بعد مماطلة استمرت أربعين سنة. وثمة مؤشرات على إمكان الانسحاب من الناتو و فصل الحلف لتركيا بسبب ما يسميه الغرب انتهاكات اردوغان للقيم الديمقراطية وحقوق الانسان! والمؤشرات نفسها توحي بإمكان تحوله الى علاقات استراتيجية مع العدو التاريخي روسيا ومع مجموعة شنغهاي، ومع العرب والعالم الاسلامي .

أردوغان سيكون واسع الصلاحيات والسلطات بشكل بات يقلق المدافعين عن الديمقراطية والمعارضين في الداخل والخارج، لا سيما بعد الاجراءات الاستثنائية التي لجأ إليها في حملته على كافة خصومه إثر المحاولة الانقلابية، وضرب رقماً قياسياً في الاعتقالات والفصل من الوظائف والملاحقة، وتقييد الحريات الصحافية.

 

الوسوم